يقول شريح: فلم يحضرني شيء فيما أقضي به، فأتيت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فقصصت عليه القصة. فقال:
فما الذي قضيت بينهما؟.. قلت:
لو كان عندي قضاء فيهما ما أتيتك. فجمع عمر جميع من حضره من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمرني أن أقص عليهم ما جئت به. وجعل عمر يشاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكلهم يرد الرأي إليه.
فقال عمر: لكني أعرف مفزع القضية ومنتزعها.
قالوا: كأنك أردت ابن أبي طالب. قال: نعم، وأين المذهب عنه؟
قالوا: فابعث إليه يأتيك. قال:
إن له شمخة من هاشم، وأثرة من علم تقتضينا أن نسعي إليه، ولا تأذن له أن يسعى هو إلينا، فقوموا بنا إليه. فلما جئناه وجدناه في حائط له يركل (١) فيه على مسحاة (٢) ويقرأ قول الله تعالى:
﴿أيحسب الإنسان أن يترك سدى﴾ (3) ثم يبكي بكاء شديدا.
ولم يجد القوم بدا من أن يمهلوه حتى تسكن نفسه، ويرقأ دمعه. ثم استأذنوا عليه فخرج إليهم وعليه قميص قدت أكمامه إلى النصف منها، ثم قال كرم الله وجهه: