بمحمد وآله. وقال في أخبار سنة 644 فيها كتب الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي إلى الخليفة ينهي حال بعض الأمراء ويقول في آخر كلامه وهو مدبر فوقع الخليفة على مطالعته بقلمه:
ولا تساعد أبدا مدبرا * وكن مع الله على المدبر فكتب الوزير في الجواب من نظمه:
يا مالكا أرجو بحبي له * نيل المنى والفوز في المحشر أرشدتني لا زلت لي مرشدا * وهاديا من رأيك الأنور فضلك فضل ما له منكر * ليس لضوء الشمس من منكر أن يجمع العالم في واحد * فليس لله بمستنكر فالله يجزيك بما قلته * خيرا ويبقيك مدى الأعصر جعلت تقوى الله مقرونة * بورد أفعالك والمصدر من يجعل التقوى له متجرا * فذاك حقا رابح المتجر وقال الخزرجي في أخبار سنة 646: وفي شهر ربيع الأول أنعم على الوزير أبي طالب محمد بن العلقمي بدواة فضة مذهبة مدورة مثمنة بديعة الصنعة جميلة الوضع فقال بعض الشعراء. وجاء في كتاب الحوادث في ذلك وفيها أنفذ الخليفة إلى الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي دواة فضة مذهبة مع صلاح الدين عمر بن جلدلك في جوانة فخلع عليه ونظم الشعراء في ذلك أشعارا كثيرة.
وقال مؤلف الحوادث في سنة 648: وفيها أنفذ الخليفة إلى الوزير على يد عمر بن جلدك شدة من أقلام فكتب الوزير قبل المملوك الأرض شكرا للانعام عليه بأقلام قلمت عنه أظفار الحدثان، وقامت له في حرب صرف الدهر مقام عوامل المران، وأجنته ثمار الأوطار من أغصانها، وحازت له قصبات المفاخر يوم رهانها، فبالله كم عقد ذمام في عقدها وكم بحر سعادة أصبح من مدادها ومددها. وكم مناد خط استقام بمثقفاتها، وكم صوارم خطوب فلت مضاربها بمطرور مرهفاتها، والله تعالى ينهض المملوك بمفروض دعائه، ويوفقه للقيام بشكر ما أولاه من جميل رأيه وجزيل حبائه، بمحمد وآله:
خولتني نعما كادت تعيد إلى * عصر الشباب وتدني منه أياما لم يبق لي أمل إلا وقد بلغت * نفسي أقاصيه برا وإنعاما تعطي الأقاليم من لم يبد مسالة * جودا فلا عجبا إن تعط أقلاما لأفتحن بها والله يقدرني * مصاعبا أعجزت من قبل بهراما إذا نسبن إلى خط فان لها * شبى إذا أعملته يخرق الهاما بالحمد والشكر أجريها لدولتكم * والرأي يحصد من أعدائها الهاما طالع المملوك بدعائه الصادر عن ناصع ولائه، والأمر أعلى وأسمى إن شاء الله تعالى. انتهى مقال الدكتور مصطفى جواد الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي يتهم بالخيانة قال الدكتور جعفر خصباك:
يكاد المؤرخون يتفقون في الثناء على شخصية محمد بن أحمد بن العلقمي وزير المستعصم بالله آخر خلفاء بني العباس فقد وصفوه بالعقل والعلم والأدب والكفاية والوقار والنزاهة والعفة عن أموال الديوان والمعرفة بأدوات الرياسة. وقد وصفه سبط ابن الجوزي الحنبلي بأنه كان رجلا فاضلا صالحا عفيفا قارئا للقرآن. ووصفه الخزرجي بأنه كان عالما فاضلا أديبا حسن المحاضرة دمث الاخلاق كريم الطباع خير النفس كارها للظلم خبيرا بتدبير الملك. كان مؤيد الدين أسديا من النيل قيل لجده العلقمي لأنه حفر النهر المعروف بهذا الاسم. وكان خاله عضد الدين أبو نصر المبارك بن الضحاك من المعدلين بمدينة السلام رتب ناظرا بديوان الجوالي وكتب في ديوان الانشاء ونفذ رسولا إلى صاحب الشام وعند ما توفي الخليفة العباسي الظاهر بامر الله بن الناصر لدين الله سنة 623 ه 1226 م كان هو المتولي لاخذ البيعة للخليفة الجديد المستنصر بالله وقد ظل في عهده أستاذا للدار حتى وفاته سنة 627 ه 1229 م. واشتغل محمد بن العلقمي في صباه بالأدب ففاق فيه وسمع الحديث واشتغل في الحلة على عميد الرؤساء أيوب وعاد إلى بغداد وأقام عند خاله عضد الدين أستاذ الدار الذي عرف بالعلم والرياسة والتجربة فتخلق بأخلاقه واستنابه في ديوان الأبنية إلى أن توفي حيث انقطع ابن العلقمي ولزم داره ولكن شمس الدين أبا الأزهر أحمد بن الناقد الذي عين أستاذا للدار بعد عضد الدين استدعاه إلى دار التشريفات وأمره بالتردد إليها ومشاركة النواب بها وعند ما عزل المستنصر بالله وزيره ابن القمي سنة 629 ه 1231 م كان ابن العلقمي مشرفا بدار التشريفات فعين بعد قليل أستاذا للدار مكان شمس الدين ابن الناقد الذي عين نائبا للوزارة وعند ما توفي ابن الناقد سنة 642 ه 1244 م عين ابن العلقمي مكانه وظل يشغل منصب الوزارة حتى سقوط بغداد ومقتل الخليفة عام 656 ه 1258. وقد عرف ابن العلقمي بحبه للعلم والأدب ومعرفته باللغة وكانت له مقدرة على نظم الشعر وكتابة النثر الجيد الحسن. وقد أنشأ لنفسه مكتبة في داره في 644 ه 1246 م نقل إليها عددا كبيرا من الكتب من أنواع العلوم وصفها العدل موفق الدين القاسم ابن أبي الحديد بأبيات أولها:
رأيت الخزانة قد زينت * بكتب لها المنظر الهائل وذكر علي ابن أخت الوزير المذكور أنها كانت تشتمل على عشرة آلاف مجلد من نفائس الكتب وقد صنفت للوزير كتب منها العباب الذي وضعه الصغاني اللغوي وشرح نهج البلاغة لعز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد (10).