فلم يقتل الوزير بل أنه كان أحد جماعة عهد إليهم إعادة تنظيم إدارة العراق فلم لا توجه اليه التهمة وقد جمع اليه الخيانة من أطرافها كما يبدو ذلك لأول وهلة. وقد سبق للخليفة الناصر لدين الله أن اتهمه خصومه بخيانة تشبه ما وجه لابن العلقمي ولكنها أعظم خطرا وأورد ياقوت الحموي إشاعة كانت تتردد في عهده هي أن علويا كان مقدما على أحد أبواب نيسابور قاعدة خراسان، راسل المغول خلال غزوهم هذا الإقليم، يتعهد فيه بتسليم البلد إليهم مقابل جعله متقدما عليه فأجابوه إلى ذلك وعند ما فتحوا المدينة المذكورة كان هو أول من قتلوهم فيها. وقد أدت بنا دراستنا للتهمة الموجهة للوزير ابن العلقمي بعد قراءة المصادر التي أوردتها وتفهم طبيعة الغزو المغولي منذ بدايته وأحوال العراق والعالم الاسلامي المعاصر، إلى رفضها بناء على الأسباب التالية:
أولا: أن التهمة تحدد البداية التاريخية لخيانة ابن العلقمي بمراسلته هولاكو بعد استباحة محلة الكرخ الشيعية سنة 654 ه 1256 م خصوصا بعد فراع الفاتح المغولي المذكور من فتح قلاع الإسماعيلية أو خلال محاصرته لها في السنة المشار إليها ولكن الحقيقة هي غير ذلك لأن هولاكو كان يسير إلى غزو العراق قبل هذا التاريخ ببضعة سنين وأنه كان يعمل طبقا لأوامر عليا صدرت اليه قبل وصوله بلاد الإسماعيلية أي قبل وقوع حادثة الكرخ.
ولعل الأمر يتضح بدراسة النقاط الآتية:
أكان غزو العراق أمرا تتضمنه طبيعة الغزو المغولي الذي كان يستهدف السيطرة على العالم وقد استولى المغول فعلا على أكثر الصين وأواسط آسيا وإيران وأوربا الشرقية وبقيت بلاد الإسماعيلية والعراق وسورية ومصر جيبا جغرافيا وعسكريا كان لا بد من الاستيلاء عليه وهذا ما قام به هولاكو وإذا كان العراق قد سقط بأيدي المغول نتيجة لخيانة وزيره ابن العلقمي فكيف نفسر سقوط كل هذه البلاد الممتدة من المحيط الهادي إلى أواسط أوربا ومن هم الخونة الذين سلموها إلى الأعداء ثم كيف نفسر احتلال هولاكو لسورية واستعداده للزحف على مصر. (ب) ربما تلقي ضوء على رغبة المغول في ضم العراق إلى منطقة نفوذهم قبل سنين عديدة من استيلاءهم الفعلي عليه، المقابلة التي جرت بين الإمبراطور كيوك خان بمناسبة تنصيبه على العرش المغولي سنة 644 ه 1246 م ورسول الخليفة حيث هدد الخان ذلك الرسول موعدا ومنذرا.
إن زحف هولاكو على العراق واحتلاله إياه إنما تم بناء على أوامر عليا أصدرها إمبراطور المغول مانغوخان سنة 651 ه 1253 م بفتح البلاد الغربية التي ضمنها العراق وسورية ومصر يؤيد ذلك التقرير الذي رفعه جانغ ته الذي أرسله مانغوخان إلى أخيه هولاكو ودونه أحد الصينين المسمى (ليو) المتصلين بالسفير المذكور وما ورد في كتاب التاريخ الصيني للأسرة المغولية التي حكمت الصين والذي أمر بوضعه أحد أباطرة الصين وتم اعداده سنة 772 ه 1270 م وقد ورد في كلا المصدرين أن مانغوخان أمر أخاه هولاكو سنة 651 ه 1253 م بالزحف لاحتلال البلاد الغربية واخضاع خليفة بغداد. وقد سبق هذا التاريخ حادثة الكرخ بثلاث سنوات على أقل تقدير وقد أيد ذلك ابن العبري والكتاب الموسوم بالحوادث الجامعة ورشيد الدين فضل الله.
ثانيا: أن القول بان الوزير كان يسيطر على الخليفة تماما بحيث أنه كان يمنع الرسل الذين يحذرونه من خطر المغول، مردود لأن الأدلة تشير إلى أن الوزير كان ضعيفا غير مسموع القول وليس له نفوذ على الخليفة الذي كان واقعا تحت نفوذ أعداء الوزير وخصوصا مجاهد الدين الدويدار الصغير الشركسي الذي كان قائدا للجيش والدليل على ذلك ما يأتي:
أ إن الخليفة لم يعهد بالوزارة إلى ابن العلقمي سنة 642 ه 1244 م الا بعد أن عرضها على مربيه صدر الدين بن المظفر علي بن محمد النيار شيخ الشيوخ فامتنع عليه.
ب إن استباحة محلة الكرخ سنة 654 ه 1256 م انما تمت نتيجة لأوامر الخليفة القاضية بكف الشقي الكرخي الذي قتل أحد سكان محلة قطفتا السنية كما أن ايقاف الاستباحة بعد أن أفلت زمام الأمور من يد الحكومة بتسلط الغوغاء وأهل الفوضى انما صدر من قبل الخليفة أيضا وكان في محلة الكرخ أقارب للوزير فلو كان له أي نفوذ في الدولة وهو بمنصب وزير وهو يقابل رئيس الوزراء في عصرنا، لمنع استباحة المحلة المذكورة لأوقفها عند حدها حفظا لأقاربه على الأقل.
ج في الخلاف الذي وقع بين الوزير والدويدار الصغير قائد الجيش، لم يأخذ الخليفة برأي الوزير بل أنه صفح عن الدويدار مع عظم التهمة التي نسبت اليه.
د إن هولاكو كان يراسل الخليفة ويطلب منه نجدة وينذره بالقدوم اليه منذ أن كان يحاصره قلاع الإسماعيلية وكان الخليفة يستشير الوزير والدويدار وغيره من أفراد حاشيته وخواصه، وكانت نصائح الوزير معقولة تدل على تفهم لطبيعة الخطر المغولي من جهة وأحوال العراق من جهة أخرى ولم تكن تتضمن تغريرا بالخليفة ولا تامرا عليه ولكن الخليفة كان يهمل نصائح الوزير ويأخذ برأي خصومه خصوما الدويدار الصغير.
ه وفيما يتعلق بمنع الوزير للرسل من الوصول إلى الخليفة أن الأدلة لا تؤيد ذلك لأن الخطر المغولي كان يهدد العراق منذ أيام الخليفة الناصر لدين الله أي منذ أن كان المستعصم بالله صبيا صغيرا وقد استمر أيام الظاهر بامر الله والمستنصر بالله وأمره ذائع معروف وأخباره يعرفها