ومع ذلك فقد وجه كثير من المؤرخين المسلمين إلى الوزير مؤيد الدين بن العلقمي تهمة في غاية الخطورة خلاصتها أنه خان سيده الخليفة المستعصم بالله ودينه الاسلام وجلب على قومه القتل والذل والخراب بمكاتبة هولاكو طاغية التتار وأطماعه بفتح العراق بل دعوته لذلك وتهيأت الأمور له بأساليب متعددة منها إشارته على الخليفة بتسريح أكثر جنوده وتشجيعه على عدم انفاق المال في سبيل الاستعداد العسكري وتهوين أمر المغول أمامه ودعوته للخروج لمواجهة هولاكو حينما أحاط هذا ببغداد للتغرير به بحجة حضور عقد نكاح ابنة هولاكو لابن الخليفة وسبب ذلك أن الوزير كان شيعيا رافضيا في قلبه غل على الاسلام وأهله وأنه كان يريد الانتقام من أهل السنة خصوصا طائفة من مستشاري الخليفة كابنه أبي بكر وقائد عسكره مجاهد الدين الدويدار الصغير لأنهم أوقعوا بمحلة الكرخ الشيعية سنة 654 وقتلوا العديد من أهلها وسبوا نساءها ونهبوا دورها وكان في المحلة أقارب للوزير.
ولعل من المفيد أن نستعرض أهم ما ورد من أقوال المؤرخين في هذه التهمة الخطيرة: قال أبو شامة شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المتوفى سنة 665 ه 1262 م عن حوادث سنة 656 ه 1258 م أن التتار استولوا على بغداد بمكيدة دبرت مع وزير الخليفة. وأعاد قطب الدين اليونيني البعلبكي المتوفى سنة 726 ه 1325 م نفس العبارة ثم أضاف إليها قوله أن هولاكو تهيأ في سنة أربع وخمسين وستمائة لقصد العراق وسبب ذلك أن مؤيد الدين بن العلقمي وزير الخليفة كان رافضيا وأهل الكرخ روافض وفيه جماعة من الاشراف والفتن لا تزال بينهم وبين اهل باب البصرة... فاتفق أنه وقع بين الفريقين محاربة فشكا أهل باب البصرة وهم سنية إلى ركن الدين الدواتدار والأمير أبي بكر بن الخليفة فتقدما إلى الجند بنهب الكرخ فهجموا ونهبوا وقتلوا وارتكبوا العظائم فشكا أهل الكرخ ذلك إلى الوزير فامرهم بالكف والتغاضي وأضمر هذا الامر في نفسه وحصل بسبب ذلك عنده الضغن على الخليفة وبعد أن أشار اليونيني إلى الخليفة المستنصر بالله وحال الجند في عهده عاد إلى ابنه المستعصم وقال وكاتب الوزير ابن العلقمي التتر وأطعمهم في البلاد وأرسل إليهم غلامه وأخاه وسهل عليهم ملك العراق وطلب منهم أن يكون نائبهم في البلاد فوعدوه بذلك وأخذوا في التجهيز لقصد العراق وكاتبوا بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل في أن يسير إليهم ما يطلبونه من آلات الحرب فسير إليهم ذلك ولما تحقق قصدهم علم أنهم إن ملكوا العراق لا يبقون عليه فكاتب الخليفة سرا في التحذير منهم وأنه يعد لحربهم فكان الوزير لا يوصل رسله إلى الخليفة ومن وصل إلى الخليفة منهم بغير علم الوزير اطلع الخليفة وزيره على أمره. ثم يمضي اليونيني فيصف تقدم جيش هولاكو إلى بغداد وهزيمته لعسكرها واحاطته بها ثم يعود فيقول فحينئذ أشار ابن العلقمي الوزير على الخليفة بمصانعة ملك التتر ومصالحته وسأله أن يخرج اليه في تقرير ذلك وتوثق منه لنفسه ثم رجع إلى الخليفة وقال له أنه قد رغب أن يزوج ابنته من ابنك الأمير أبي بكر ويبقيك في منصب الخلافة كما أبقى سلطان الروم في سلطنة الروم لا يؤثر إلا أن تكون الطاعة له كما كان أجدادك من السلاطين السلجوقية وينصرف بعساكره عنك فتجيبه إلى هذا فإنه فيه حقن دماء المسلمين ويمكن بعد ذلك أن يفعل ما تريد فحسن له الخروج اليه فخرج في جمع من أكابر الصحابة فانزل في خيمة ثم دخل الوزير فاستدعى الفقهاء والأماثل ليحضروا عقد النكاح فيما أظهره فخرجوا فقتلوا وكذلك صار يخرج طائفة بعد طائفة. وقال شمس الدين الذهبي المتوفى سنة 748 ه 1347 م في كلامه عن وقائع سنة 648 ه 1250 م ما يأتي: وأما بغداد فضعف دست الخلافة وقطعوا أخباز الجند الذين استنجدهم المستنصر وانقطع ركب العراق. كل ذلك من عمل الوزير ابن العلقمي الرافضي جهد في أن يزيل دولة بني العباس ويقيم علويا وأخذ يكاتب التتار ويراسلونه والخليفة غافل لا يطلع على الأمور ولا له حرص على المصلحة. وقال عبد الله بن فضل الشيرازي الذي ألف كتابه حوالي 729 ه 1328 م ما معناه ان الخليفة المستعصم بالله كان منصرفا إلى الراحة واللهو وكان وزيره ابن العلقمي مستبدا بالأمور حتى أنه لم يكن يحترم المقربين إلى الخليفة ولا يظهر تأدبا في مخاطبته إياهم وقد تغيرت نيته أزاء الخليفة بسبب واقعة الكرخ لأن ابن الخليفة أرسل جنودا أغاروا عليها وأسروا البنين والبنات وبينهم العلويات فبعث ابن العلقمي لذلك رسالة إلى تاج الدين محمد بن نصر الحسيني أحد سادات العصر وعند ما فرع البادشاه هولاكو سنة 654 ه 1256 م من فتح قلاع الملاحدة وارسل بالرسل يبشرون بالنصر في المشارق والمغارب أرسل ابن العلقمي في الخفاء رسولا إلى هولاكو أظهر الاخلاص والطاعة وزين مملكة بغداد في خاطره وذم الخليفة وقال لهولاكو أنه إذا توجه بسرعة فسوف تسلم له مملكة بغداد ولكن هذا لم يعتمد على قوله لأن حصانة بغداد وكثرة جنودها كانت أمرا مشهورا في الأقاليم السبعة وكان ملك العالم اوغوتاي في أول جلوسه على العرش قد أرسل القائد جرماغون بجيش فتاك فهزم من قبل الخليفة المستنصر بالله ولذلك فان البادشاه طلب من رسول ابن العلقمي ما يؤكد صحة أقواله ليطمئن بذلك خاطره الشريف. وعند ما زحفت جيوش هولاكو على بغداد واطمأن ابن العلقمي لنجاح مكيدته قال للخليفة أن الجم الغفير من سلاطين وملوك الأطراف أظهروا والحمد لله اخلاصهم وطاعتهم وسمعة الخليفة كبيرة وحكمه نافذ وماله كثير فمن الخير توفير أموال الخزينة وعدم صرفها على الجند فكان الخليفة منصرفا لسماع الأغاني والاجتماع بالجواري والمغنيات وابن العلقمي يفرق الكلمة ويشرد جميع الافراد وينفر الجنود في الوقت الذي انتشرت فيه أخبار جيش المغول وكان الشرابي والدويدار يحذرون الخليفة منه وابن العلقمي يسخف أقوالهم.
وقال ابن شاكر الكتبي المتوفى سنة 764 ه 1362 م في كلامه عن الوزير ابن العلقمي ولم يزل ناصحا لأصحابه وأستاذه حتى وقع بينه وبين الدواتدار لأنه كان متغاليا في السنة وعنده ابن الخليفة فحصل عنده من الضغن ما أوجب سعيه في دمار الاسلام وخراب بغداد على ما هو مشهور لأنه ضعف جانبه وقويت شوكة التتار بحاشية الخليفة... وأخذ يكاتب التتار إلى أن جرأ هولاكو وجره على أخذ بغداد. وقال عنه أيضا وحكي أنه لما كان يكاتب التتار تخيل إلى أنه أخذ رجلا وحلق رأسه حلقا بليغا وكتب ما أراد عليه بالأبر ونفض عليه الكحل وتركه عنده إلى أن طلع عليه شعره وغطى ما كتبه فجهزه وقال: إذا وصلت أمرهم بحلق رأسك ودعهم يقرؤون ما فيه وكان في آخر الكلام اقطعوا الورقة فضربت عنقه