بل يمكن أن يقال: إن صرفه في العنب بأن يعمل خمرا، وفي الخشب بأن يعمل صنما ونحو ذلك صرف في المحرم، فيكون فاعله سفيها لا تجوز معاملته ومناكحته، مع أنهم جوزوا ذلك وقالوا بكراهتها، ولا شك أن صرفه ولو كان قليلا من الاطعام للربا والسمعة وغير ذلك من الأغراض الغير الصحيحة شرعا حرام، فيكون موجبا للسفه، ومن الذي يخلو عنه من أرباب الأموال فيلزم عدم جواز أخذ العطية بل الزكاة والخمس منهم فتأمل.
وبالجملة فالتنزه عنه متعسر جدا، فإنه لو لم يعامل السفيه، فإنه يعامل من يعامله، ويصعب ذلك أيضا أنهم قالوا أن الرشد شرط، فلا بد من تحققه، ليعمل بالمشروط، فمن جاء إلى سوق كيف يعرف ذلك، بل كيف يعرف حصول الرشد الابتدائي الذي هو شرط بالاجماع، فالظاهر أنهم يبنون على الظاهر، ويتركون الأصل، فإن حال الانسان أنه لم يفعل حراما، ولا يصرف ماله فيه.
ولعل هذا المقدار كاف للعلم بالرشد المطلوب في جواز المعاملة والمناكحة، ولهذا ما نقل الامتناع والتفحص عنهم، ولا عن أحد من العلماء المتدينين، ويكون الاختبار الابتدائي لتسليم المال للنص والاجماع.
وفيه أن ذلك لا يجدي في المعلوم حالهم، كالحكام وغيرهم ومن هنا التجأ بعضهم إلى الجواب بأن السفيه لا تجوز تصرفاته بعد الحجر عليه لا قبله، وليس السفه بنفسه موجبا للمنع، وهو أيضا مناف لاطلاق النص والفتوى، بل وقوله (1) " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " وغيره فالتحقيق ما عرفته من أن المناط في تحققه وصدقه العرف، ولا ريب في عدمه عرفا في جميع ما ذكره، ضرورة اختلاف أصناف الناس فقد يليق بالسلطان ما لا يليق بغيره، ولا يعد به سفيها، وإن كان صرفه في محرم كما هو واضح.
وقد عرفت أن السيرة القطعية على معاملة مجهول الحال، عملا بظاهر الحال، وأصل الصحة وغير ذلك، وحيث عرفت أن المدار في السفه والرشد على العرف، فقد