ربما احتمل الأول لمعلومية اعتبار الحاكم في الشهادة، والغرض أن المقام من موضوعها، وإلا لاكتفي بخبر الواحد، وقد يقوى الثاني خصوصا مع تعذر الحاكم أو تعسر الوصول إليه لعموم قبول البينة ومنع اشتراطها بالحاكم في المقام، وأمثاله الذي قيل أنه يكتفي فيه بالظاهر، للسيرة القطعية في معاملة مجهول الحال، والبينة لا تقصر عنه، كما إنه قيل بتحقق وصف الرشد بقيامها ولو عند غيره، فيحصل حينئذ شرط الدفع، وإن كان لا يخلو من نظر، وتمام الكلام في المسألة في مقام آخر، ضرورة كثرة أفرادها والله أعلم هذا كله في الرشد.
(وأما السفيه) بالنسبة إلى المال (فهو) المقابل له فيكون عبارة عن (الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة) عند العقلاء ولو أبناء الدنيا، لما عرفت من أن الرشد إصلاح المال، وتحققه لا يحصل إلا بعدم الصرف في غير الأغراض الصحيحة، وتمام الكلام فيه يعرف مما قدمناه في الرشد، وأن مرجعه إلى العرف الذي لا شك في عدم تحققه بمجرد الصرف في مطلق المعاصي، إما لأنه ليس تبذيرا، أو لأنه لا يتحقق السفه عرفا.
لكن في المحكي عن التحرير إن استلزم فسقه التبذير كشراء الخمر وآلات اللهو والنفقة على الفاسق لا يسلم إليه شئ لتبذيره، وفي المحكي عن التذكرة: الفاسق إذا كان ينفق أمواله في المعاصر ويتوصل بها إلى الفساد فهو غير رشيد، ولا تدفع إليه أمواله اجماعا، بل قيل: الظاهر أنه اجماع الأمة.
وفيه: أن مثله قد لا يعد عرفا سفيها، خصوصا الانفاق على الفاسق، وإلا لاتجه ما عن الأردبيلي من الاشكال بأنه قل ما يخلو عن ذلك الانسان، فإنهم يشترون ما لا يجوز ويستعملون الربا، ويعطون الأموال للمغني واللاعب بالمحرم، وإلى من يأخذ من الناس الأموال قهرا، خصوصا الحكام والظلمة، فيلزم أن يكونوا سفهاء لا تجوز معاملتهم ومناكحتهم وأخذ عطاياهم، وزكواتهم وخمسهم، فإنهم سفهاء، باجماع الأمة كما فهمناه من التذكرة مع أنهم صرحوا وأطلقوا معاملاتهم، ومناكحتهم، وقبول جوائزهم، وقالوا بكراهتها.