وثبتت دعائمه، وبسط على أرجاء الأرض جناح سلطانه، وأصبح كل من اتبعه وصدق بدعوته آمنا مطمئنا لا يخشى ظلما ولا رهقا.
حينئذ طابت نفسه، واطمأن قلبه، وذهب الخوف عنه. ولم يلبث أن ركب رجليه واتخذ طريقه إلى النبي ليخدمه على ملء بطنه، ويملأ يده من مغانمه، ويسكن المأوى الذي أعده للفقراء من أتباعه. وكان ذلك في شهر صفر سنة 7 ه.
وكان له ما أراد عندما اتصل بالنبي، وحقق كل ما كان يبتغيه، فأطعمه النبي ومن عليه بالعطاء من غنائم خيبر - وهو لم يشهدها -، وأسكنه المأوى الذي أعده للفقراء وهو الصفة (1).
وما نذكره هنا أمر ثابت لم نتهمه به، ولم نفتر عليه فيه، ذلك بأنه قد اعترف هو مرارا بأنه قد خدم النبي على ملء بطنه وستري ذلك مبينا في مكانه من هذا الكتاب، واعترافه الصريح من أول يوم لقي فيه النبي. وما كاد يملا عينه من رؤية مغنم خيبر حتى رنا إليها، وطالب بنصيب فيها، على حين أنه لم يشهدها، وله في ذلك قصة ستقف عليها في موضعها من هذا الكتاب.
والذي نستطيع أن نقطع به ونحن مطمئنون إليه بما تبين لنا من القرائن والأدلة الصحيحة وما بدا من اعترافاته الصريحة أن أبا هريرة - إنما كان يبتغى من قدومه على النبي صلى الله عليه وسلم أن يحقق مطامعه الشخصية، ومآربه الذاتية لا ليلتمس أن يتفقه في الدين كما يفعل غيره من الذين أسلموا مخلصين.
ولعلك ترى الفرق الهائل بينه وبين غيره من الذين كانوا يقدمون على النبي عن طواعية، مخلصة قلوبهم، راضية نفوسهم بالدين الحنيف.
ولنضرب لذلك مثلا واحدا من أمثله كثيرة لا تحصى.
ذلك هو مثل إياس بن عمير الحميري الذي قدم وافدا على النبي في نفر من حمير - إذ بينما نجد أبا هريرة يصرح تصريحا لا لبس فيه ولا إبهام بأنه قد جاء إلى النبي ليخدمه على ملء بطنه، إذ بهذا الحميري ومن معه يقولون للنبي: