والاخبار كثيرة عن حياته وهو في الصفة فنكتفي بما أوردناه هنا منها، وليس القصد من نقلها أن نعيب على أبي هريرة فقره الذي اعترف به، كما فهم بعض الأغبياء، فليس في الفقر من عيب وإنما لنبين ناحية من تاريخه لا بد أن تعرف.
أين كان المزود وهو يتلوى من الجوع؟
على أن مما لا يقضى الانسان منه عجبا، أن أبا هريرة بينما يصف هنا ما ناله من الجوع هذا الوصف الذي يرق له قلب الشحيح، إذ به يزعم في ناحية أخرى أنه كن له مزود فيه بقية من تمر فمسها النبي صلى الله عليه وآله بيده الكريمة وقال له: كل من هذا المزود (1) ما شئت في أي وقت، فأصبح به غنيا عن الناس، وظل يأكل منه حياة النبي صلى الله عليه وآله وحياة أبى بكر وحياة عمر، وحياة عثمان إلى أن أغارت جيوش الشام على المدينة بعد قتل عثمان فانتهبته، وقد حسب أبو هريرة ما أكله من مزوده في هذه الفترة فوجده مئتي وسق!
فانظر إلى هذه الغرائب بغير أن تحدثك نفسك بالاعتراض عليها أو الشك فيها، لان أبا هريرة لا تنقضي عجائبه! ثم إنه يعد من الصحابة الذين يحرم أن يتجه إليهم أي نقد!
وهنا يبدو سؤال: هل يا ترى ظل هذا المزود معلقا بحقوه عند ما أقصى إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي، أو تركه أبو هريرة ليأكل منه غيره من أهل الصفة حتى يعود فيأخذه؟
ولعلنا نجد من يتفضل بالجواب، ويكون له من الله حسن الثواب، ومن الناس ومنا الثناء المستطاب.
* * *