فيجد من عون السلطان وغفلة الزمان، ما ينال به، ما لم يكن يحلم به!
وليته كان كريما مع هذه السيدة الجليلة التي عثر بها جدها، فوقعت مضطرة فريسة - وهي العربية الأبية - بين يديه، فيذكر سالف برها به وسابق إكرامها إياه، ويحفظ أياديها الكثيرة عليه أيام فقره وفاقته، أيام كان يمشى على الأرض بلا نعلين، كما تهكم به عمر عندما عزله عن البحرين!
ولكنه قد عاملها معاملة قاسية شديدة تتفق مع طبيعته وأصله.
وهاك صورة قاتمة يبدو منها كفره بنعمتها، وسوء معاملته لها، وإهانته إياها، مما لا يصدر مثله عن رجل كريم، أو زوج نبيل.
أشره وبطره لما بلغ ما كان يعد مستحيلا لمثله، وتزوج من هذه الأميرة العظيمة، لم يعرف قدر ما سبق من نعم غمرته بها من قبل، ولم يقدرها قدرها، فقد استخفه أشره، ونم عليه أصله وطبعه، فخرج عن حدود الأدب والوقار للتي قضى عليها سوء حظها، ونحس طالعها، بأن تتزوج من خادمها! فكان يفتخر بعد هذا الزواج الذي كان نكبة على هذه الأميرة ويقول:
إني كنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني، فكنت إذا ركبوا سقت بهم، وإذا نزلوا خدمتهم. وفى رواية الأثرم وابن ماجة، كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أحطب لهم إذا نزلوا، وأحدو بهم إذا ركبوا، والآن تزوجتها، فأنا الآن أركب فإذا نزلت خدمتني. ويقول: وكانت إذا أتت على مكان سهل نزلت فقالت: لا أريم حتى تجعل لي عصيدة! فهأنذا إذا أتيت على نحو من مكانها قلت لها: لا أريم حتى تجعلي لي عصيدة.
ومما أخرجه ابن سعد عن محمد عن أبي هريرة أنه قال: كنت أجير ابن عفان وابنة غزوان، بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوق بهم إذا ركبوا (1)، وأخدمهم إذا نزلوا، فقالت لي يوما لتردنه حافيا، ولتركبنه قائما، فزوجنيها الله بعد،