فيضع رجله على عنقي ويرى أنى مجنون! وما بي من جنون! ما بي إلا الجوع (1).
ورواية الذهبي في أعلام النبلاء:
عن محمد: كنا عند أبي هريرة فتمخط فمسح بردائه وقال: الحمد لله الذي تمخط أبو هريرة في الكتان (2).
ولا يستغرب أحد من هذا الامر المستقذر الذي تنفر منه النفوس، فإن الذي يستسيغ غمس الذباب في الطعام ثم يأكله، لا يستغرب منه أي شئ يفعله بعد ذلك. وحسبه أنه أبو هريرة!
ولقد كانت أول لفتة من عين الأمويين إلى أبي هريرة، أن ولاه معاوية على المدينة، ثم زادت أياديهم عليه فبنوا له قصرا بالعقيق، وأقطعوه أرضا به، وأخرى بذى الحليفة، ولا يحصى ما أسدوه له، وإنما التي هي قاصمة الظهور، ومحرجة الصدور، والتي لا يذكرها إنسان ذو نفس كريمة إلا امتلأ حزنا وأسى أن يزوجوه من الأميرة الجليلة بسرة بنت غزوان أخت الأمير المجاهد الجليل عتبة بن غزوان (3).
والذي زوجه منها مروان بن الحكم أيام ولايته على المدينة من قبل معاوية.
وقد ذكر ابن حجر في الإصابة (ص 30 ج 1) أنها قد استأجرت " أبا هريرة " في العهد النبوي ثم تزوجها بعد ذلك، لما كان مروان يستخلفه في إمرة المدينة على عهد معاوية.
ولقد كان هذا الزواج بعد موت أخيها عتبة بزمن طويل، ولو كان حيا ما استطاع أن يدنو ممن تخدمها، ولكنها المصادفات الغريبة الساخرة.
لك الله أيها الأميرة الفاضلة الأصيلة الطاهرة التي قضى عليها بؤسها وشقاؤها أن يفترشها من كان من قبل يخدمها في أيام عريه وفقره بطعام بطنه.
ألا ما أقسى الزمن، وما أظلم الدهر! مهين مثل أبي هريرة يتيح له الحظ