وبعد ذلك كله نقول إن أبا هريرة قد ناقض نفسه في هذا الحديث، كعادته في التناقض بين أحاديثه، وإنا ندع الكلام في ذلك إلى إمام كبير من أئمة أهل السنة، ومن كبار رجال الحديث، حتى لا نرمي بالتحامل على أبي هريرة ذلكم هو السيد رشيد رضا رحمه الله.
قال رحمه الله: " روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فإن في أحد جناحيه شفاء، وفى الآخر داء، فهذا الحديث مشكل - وإن كان سنده صحيحا - وكم في الصحيحين من أحاديث اتضح لعلماء الحديث غلط الرواة فيها - كحديث خلق الله التربة يوم السبت مثلا وغيره مما ذكره المحققون، وكم فيهما من أحاديث لم يأخذ بها الأئمة في مذاهبهم، فليس ورود هذا الحديث في البخاري دليلا قاطعا على أن النبي صلى الله عليه وآله قاله بلفظه، مع منافاته للعلم، وعدم إمكان تأويله، على أن مضمونه يناقض حديث أبي هريرة (نفسه). وهو أن النبي صلى الله عليه وآله سئل عن الفأرة تقع في السمن فقال: إن كان جامدا فاطرحوه وما حولها وإن كان ذائبا فأريقوه، أو لا تقربوه. فالذي يقول ذلك لا يبيح أكل الشئ إذا وقع فيه الذباب! فإن ضرر كل من الذباب والفيران عظيم (1) " وقد ثبت أن ضرر الذباب أعظم من ضرر الفيران بكثير، وأنه يحمل ميكروبات لأمراض كثيرة (2).
وله كلام طويل في حديث الذباب نقتطف منه هذه السطور، قال رحمه الله:
".. وحديث الذباب غريب عن الرأي وعن التشريع جميعا، أما التشريع في مثل هذا، فإن تعلق بالنفع والضرر، فمن قواعد الشرع العامة، أن كل