(أما الثالث) فهو مع احتمال أن يراد بالتطهير التشمير كما تضمنته بعض الأخبار (1) أو التقصير كما اشتمل عليه آخر (2) وأن يراد طهرها عن أن تكون مغصوبة أو محرمة، أو المراد نفسك فطهر من الرذائل، وعن ابن عباس أنه قال فطهر أي لا تلبسها على معصية ولا غدرة، وفي أخرى عنه أيضا من لبسها على معصية كما قال سلامة بن غيلان الثقفي وإني بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من غدرة أتقنع، وليس ما ذكرنا مما تضمنته الأخبار من البطون الذي لا يمنع من إرادة الظاهر، بل هو مجاز قرينته الأخبار كما لا يخفى على من لاحظها - لا وجه له إن قلنا بالحقيقة الشرعية، لعدم العلم بحصول المعنى الشرعي، وكذلك إن قلنا بالمجاز الشرعي، والظاهر من هذا اللفظ في هذا المقام عدم خلوه عن أحدهما، وما قال (رحمه الله): من أنه تطهير الثوب ليس بأزيد من إزالة النجاسة عنه، وقد زالت حسا بغير الماء، لأن الثوب لا يلحقه عبادة لا معنى له، لأن الكلام في أن هذا الزوال الحسي زوال شرعي أولا، ولا تلازم بينهما، وكون الثوب لا يلحقه عبادة غير قاض بما ذكر، لعدم الفرق بين العبادة وغيرها بالنسبة إلى ما ذكرنا عند الشك في حصول المعنى الشرعي الحقيقي أو المجازي، نعم يتجه استدلاله إن أراد بالتطهير المعنى اللغوي، وما ورد من الشارع من اشتراط الاستعلاء ونحوه إنما هي شرائط خارجية عن المعنى، ويكون المأمور به حينئذ مطلق التنظيف، فما ثبت اشتراطه من دليل كورود الماء على النجاسة ونحوه قلنا به، وإلا فلا، فلا يتجه الايراد عليه بما ذكرنا سابقا ولا الايراد كما وقع من بعض بأنه قد اشترط (رحمه الله) ورود الماء على النجس، وهو ينافي قوله بحصول الطهارة على أي وجه، بل ولا ما وقع للمصنف والعلامة في المختلف والذخيرة من الجواب عن الآية أيضا، والتعرض لنقله يفضي إلى طول من غير فائدة، فراجع وتأمل. فالصواب في الجواب إما المنع من كون الطهارة بالمعنى اللغوي، أو يقال: إنها مطلقة تقيد بما ذكرنا من المقيدات السابقة.
(٣١٩)