في الأخبار عن الوضوء بالماء القذر وإن كان للنظر فيه مجال، وأما ما يقال من وجوب مراعاة جهة الحرمة على كل حال إذا كان الواجب من العبادات، لعدم التمكن منه، لأن الجزم بالنية واجب، ومعه لا جزم، والمرددة ليست نية، ومن هنا قال بعضهم في مثل الصلاة بالثوبين أنه لا يجوز، وينتقل فرضه للصلاة عريانا، وينبغي أن يلتزم به بالنسبة للماء المشتبه بالمضاف ونحوه، ففيه مع أن مثل ذلك جائز للاحتياط، أنه متمكن من الجزم بالنية لوجوبهما عليه وإن كان أحدهما أصليا والآخر مقدمة، فإنه وصف لا دخل له بالنسبة للجزم، ودعوى وجوب الجزم بخصوص المكلف به ممنوعة، إذ لا دليل يقتضيه بل الدليل يقتضي عدمه.
(ومنها) أنه لو انكفى أحد الإنائين فهل يتغير الحكم الأول أو لا؟ والظاهر أن الحكم عندهم كالأول، ولم أعثر على وجود مخالف من أصحابنا، ولا نقل عن أحد منهم، نعم نقل عن بعض العامة أنه جوز الطهارة لأصل الطهارة، ورده في كشف اللثام بأنه لو تم لجاز بأيهما أريد انتهى. ويمكن أن يقال: بالفرق بين المقامين، وذلك لحصول المكلف به باجتنابه يقينا في الأول، فيجب الاجتناب للمقدمة، بخلاف الثاني، فإنه لا يقين في حصول المكلف به، لا يقال: إنه مكلف باجتناب النجس في الواقع، ولا يقطع بامتثال هذا التكليف إلا باجتناب هذا الفرد، قلت: لو تم لوجب اجتناب جميع ما احتمل حرمته، ووجب الاتيان بجميع ما احتمل وجوبه، لأن كل انسان مكلف بأن يأتي بالواجب، ويجتنب المحرم، ولا يتم ذلك إلا بأتيان جميع ما احتمل ذلك، وهو واضح الفساد، نعم إن الذي نوجبه من باب المقدمة إنما هو بعد شغل الذمة يقينا بفرد الكلي لا التكليف بنفس الكلي الذي يحتمل أن يكون هذا فردا له.
وما يقال: إن ما ذكرت خرج بالدليل الدال على أن المراد بفعل الواجب أي ما بلغكم وجوبه، وباجتناب المحرم أي ما بلغكم حرمته، بخلاف ما نحن فيه، لأنا نقول،: مع الغض عما