يقول إن ما ذكرتموه لا يدل على بلوغ الكرية، ويمكن التمحل بأن يحمل الدلاء على ما يبلغ الكر جمعا بين المطلق والمقيد خصوصا مع الاتيان بصيغة جمع الكثرة، لا يقال:
إن حمل الجمع على الكثرة استحال إرادة القلة منه. وإلا لزم الجمع بين إرادتي الحقيقة والمجاز، وإن حمل على القلة فكذلك. لأنا نقول: لا نسلم استحالة الثاني، سلمناه لكن إن حمل على معناه المجازي وهو مطلق الجمع لم يلزم ما ذكرتم، على أن لنا في كون الصيغ المذكورة حقائق أو مجازات في الكثيرة نظرا، وبعض المتأخرين استدل بهذه الرواية على وجوب النزح للحمار دون الفرس والبقرة،. وألحقهما بما لم يرد فيه نص، وقد روى مثل هذه الرواية البقباق عن أبي عبد الله (عليه السلام) " انتهى. ونقلناه برمته لما فيه من الفوائد العظيمة الجليلة النافعة في المقامات المتعددة، واعترضه في المدارك بثمانية وجوه، ويمكن للناظر أن يجعل في كل من الثمانية ثمانية من النظر، قال فيها:
(الأول) مقتضى كلامه (رحمه الله) إن الدابة حقيقة فيما يركب حيث حمل النص عليه وهو غير واضح، وكلام الجوهري لا يدل عليه، فإن الاطلاق أعم من الحقيقة والمجاز، وقد صرح بعض محققي أهل اللغة بأن أكثر اللغات مجازات، مع ما قد اشتهر أن الدابة منقولة إلى ذات القوائم الأربع من الخيل والبغال والحمير، وذكر جماعة أنها مختصة بالفرس، سلمنا أنها حقيقة فيما يركب، لكن البقر إنما يركب نادرا كما اعترف به، والألفاظ إنما تحمل على المعنى المتعارف لا النادر الغير المشهور " انتهى.
وفيه أنه مبني على ما هو الظاهر من كلام الجوهري من ذكره المعنيين للدابة مع التصريح بقوله في الثاني اسم، ولم يكتف بعطفه على الأول إذ لم يعهد إطلاق لفظ الاسم على المعنى المجازي كأن يقال الأسد اسم للرجل الشجاع، على أن هذا سد لباب التمسك بقول اللغوي من دون ثبوت من خارج، وفيه ما لا يخفى، وأيضا العلامة (رحمه الله) حمله على الثاني بعد أن استدل على نفي الأول، فلو فرضنا أن المعنى الثاني مجاز لكن ربما يظهر من صاحب الصحاح إنه مجاز معروف مشهور، فلا يبعد حمله مع تعذر الأول