مضافا إلى أن أخبار الحمام معتضدة بأصالة البراءة، لأن النجاسة تكليف بالاجتناب، وباستصحاب الطهارة وبأصل الطهارة المستفاد من العمومات على وجه، وبما دل على عدم انفعال الماء إلا بما يغير ريحه أو طعمه أو لونه كما تقدم في الجاري. ودعوى ترجيح أخبار القليل بذهاب الأكثر هنا إلى النجاسة وبأن الغالب كون مادة الحمام كرا فينزل الاطلاق عليه، يدفعها أن الأكثرية لم نتحققها إلا من متأخري المتأخرين، وقد سمعت ما قاله كاشف اللثام أن الفتاوى مطلقة، فتكون أخبار الحمام أولى بالترجيح بها.
واحتمال أن هذا الاطلاق معارض باطلاقهم الآخر لنجاسة ماء القليل فيه أن ذلك وإن احتمل في الأخبار إلا أنه يبعد احتماله في كلام الأصحاب مع ذكرهم الجاري وما في حكمه كماء الحمام وماء الغيث قسما برأسه والمحقون قسما آخر ومنه القليل، فليتأمل جيدا.
وأما الأغلبية المذكورة فأما أولا فإنا نمنع وصولها إلى حد بحيث يكون الأقل من كر ولو قليلا من الأفراد النادرة بحيث لا يشمله اللفظ، وثانيا لو سلمنا الندرة فهي ندرة وجود لا ندرة إطلاق، ولذلك ترى صدق ماء الحمام على مثله من غير استنكار كما هو ظاهر للمنصف المتأمل. على أن غلبة كرية المادة في الابتداء وإلا ففي الأثناء بعد استعمال ما في الحياض وإذهابها من كثرة الاستعمال يبقى غالبا أقل من كر. وأيضا فالتأمل الصادق قاض بفساد القول بأن المادة إن بقيت مقدار كر كانت من الأفراد الشائعة وإن نقصت مقدار عشرين مثقالا صارت من الأفراد النادرة أن ذلك واضح المكابرة. على أن القول باشتراط الكرية ينافي ما هو كالصريح من الأخبار من أن ماء الحمام له خصوصية على غيره من المياه، إذ على تقدير الاشتراط يكون حاله كغيره من المياه كما اعترف به الشهيد في الذكرى. واحتمال القول بأن أخبار الحمام محمولة على بيان ما هو كائن في غير الحمام أيضا فيكون المراد أن الحمام كالجاري لأن له مادة كثيرة وكل ما كان له مادة كثيرة فهو كذلك، فلا يكون للحمام حينئذ خصوصية، بعيد غاية البعد وقد اعترف الخصم بفساده، كما لا يخفى على من لاحظ أخبار الباب وكلمات الأصحاب، فإنها كالصريحة