وإذا اطمأنت النجف على سلامتها من عادية الوهابيين من جهة وعادية الحكومة العثمانية من جهة أخرى، لا سيما بعد وساطتها وتأثيرها لدى الحكومة الإيرانية كما سبق، ورعاية الحكومة الإيرانية لها - ابتدأت حياة الاستقرار والاطمئنان فيها تزدهر عند سكانها والمهاجرين إليها، ونشطت فيها أيضا - تبعا لذلك الحياة الاقتصادية، ونشط العمل لجلب المياه من الفرات إليها بشتى الوسائل.
إن كل تلكم الأسباب اجتمعت في عصر الشيخ صاحب الجواهر بالذات أكثر من كل عهد مضى، فزادت الهجرة إليها من أهل العلم زيادة ملحوظة، وانصرف أهل العلم إلى التحصيل والجد والدرس والتدريس والتأليف. فلذلك كان نشاط الحركة العلمية في ذلك العهد في القمة.
وإلى جانب ذلك نشطت الحركة الأدبية أيضا نشاطا لم تعهده البلاد الاسلامية كلها بعد القرن الخامس الهجري. فنبع في القرن الثالث عشر بالنجف (والحلة أيضا) شعراءهم في الدرجة الأولى من الشعر العربي، وفي الطليعة من شعراء كافة العصور الاسلامية كشعراء آل الأعسم وآل محيي الدين وآل النحوي والشيخ عباس الملا علي. ثم طبقة السيد حيدر الحلي والشيخ محسن الخضري والسيد جعفر الحلي ومن إليهم ممن جاء تلوهم من طبقة المجاهد الحجة السيد محمد سعيد الحبوبي والسيد إبراهيم بحر العلوم الذين كانوا من نوابغ القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
ولا شك أن نشاط الحركة الأدبية كان من نتائج ازدهار النجف بالعلم والعلماء، واستقرارها من نواحي الأمان والحياة الاقتصادية، فكثرت محافلها ومجالسها، والمباريات الأدبية، وتوطدت فيها البيوت العلمية توطنت.
وجميع هذا مما ساعد على ظهور نوابغ في العلم هم في جبين الدهر غرة بيضاء مشرفة وفي صفحات القرون صفحة مليئة بالمعرفة مرصونة بالآثار العلمية القيمة.
ونكرر أنه في القمة كان شيخنا صاحب الجواهر وكتابه، وكان عهده أيضا كذلك،