ذا تحول قسم من الاتجاه العلمي شطر النجف بسببهما، وإن كانت كربلا بقيت محافظة على مركزها الأول حتى وفاة المربي العظيم المعروف بشريف العلماء وهو الشيخ محمد شريف المازندراني المتوفى سنة 1245 الذي قيل إن حضار درسه كانوا يبلغون ألف طالب، وكفى أن أحد طلابه وتلاميذه الشيخ الأنصاري. وبوفاة شريف العلماء فقدت كربلا تلك المركزية العلمية حتى اتجهت الأنظار صوب النجف لوجود الشيخ صاحب الجواهر المترجم له الذي اجتذب إليه طلاب العلم بفضل براعته البيانية وحسن تدريسه وغزارة علمه وثاقب فكره الجوال وبحثه الدؤب وانكبابه على التدريس والتأليف ولعل هناك أسبابا أخرى لهذا التحول ولا يبعد أن من أهمها أن كربلا بالخصوص كانت عرضة للغارات السعودية وضغط الحكومة العثمانية وتعدياتها.
وعلى كل حال، فقد شهد هذا القرن وهو القرن الثالث عشر حركة علمية واسعة في كربلا والنجف مبتدئة بالوحيد البهبهاني، وبلغت غاية ازدهارها في عصر شيخنا المترجم له في خصوص النجف، فإن عصره ازدهر بكبار الفقهاء فطاحل العلماء من أساتذته وأقرانه وتلاميذه ما لم يشهده أي عصر مضى. ويكفي أن يكون من نتاج ذلك العصر حبر الأمة وإمام المحققين الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى سنة 1281 الذي أنسى الأولين والآخرين، إذ تجدد على يديه الفقه وأصوله التجدد الأخير، وخطابهما شوطا بعيدا قلب فيه المفاهيم العلمية رأسا على عقب، ولا يزال أهل العلم إلى يومنا هذا يدرسون على مدرسته العلمية الدقيقة ويستقون من نمير تحقيقاته، ويتغذون بآرائه، ويتخرجون على كتبه البارعة الفاخرة.
وكان شيخنا وأستاذنا العظيم ميرزا حسين النائيني المتوفى سنة 1355 يفتخر بأنه من تلامذة مدرسته، وإن كل ما عنده من تحقيق ومعرفة فهو فهم أسرار آراء الشيخ الأنصاري وتحقيقاته وعرضها عرضا مبسطا. وكم صرح بهذا المعنى على منبر الدرس معتزا بذلك. وفي الحقيقة كان الميرزا النائيني يعد فاتحا مظفرا، ومجددا موصلا لما