وذلك من ناحية إقبال الناس على تحصيل العلم وكثرة الطلاب حتى قيل كان مجلس بحثه يضم أكثر من ستين مجتهدا من المعترف لهم بالفضيلة. وقد تخرج على يديه من أعلام الدين ما يفوت الحصر. واستمر هذا الارتفاع في الأرقام العلمية للمؤلفات والعلماء حتى القرن الرابع عشر الذي ورثنا فيه ذلك المجد العلمي والأدبي.
ولولا الوباء الكاسح الذي كان ينتاب العراق والنجف الخصوص بين آونة وأخرى، ولولا فتنة الشمرت والزكرت التي استفحلت بالنجف في تلك العهود وصارت سببا لقلق السكان الدائم وخطرا على الأرواح والأموال وكرامة الناس - لكان للنجف شأن آخر لم يحلم به المقدر.
كتاب الجواهر تقدم في الفصل السابق وصف الحركة العلمية في القرن الثالث عشر خصوصا في النجف وقلنا: إن ذلك القرن شهد تحولا جديدا في الاتجاه العلمي، ابتدأ على يد الوحيد البهبهاني.
وقد برز في ذلك القرن أقطاب لعلم الفقه وأصوله هم في الدرجة الأولى علما وتأليفا وتقوى وصلاحا. وخلفوا لنا آثارا قيمة خالدة تشهد على مدى التوسع العلمي في ذلك العهد، مثل كتاب كشف الغطاء ومفتاح الكرامة والرياض والمكاسب في الفقه، والقوانين والفصول والضوابط وحاشية المعالم للشيخ محمد تقي الأصفهاني ورسائل الشيخ الأنصاري وتعليقاتها في أصول الفقه، إلى غير ذلك من كتب مطولة.
وكان في القمة من تلك الآثار الفقهية كتاب (جواهر الكلام) في شرح شرائع الاسلام الموسوعة الفقهية التي فاقت جميع ما سبقها من الموسوعات سعة وجمعا وإحاطة بأقوال العلماء وأدلتهم. فوفق الكتاب توفيقا منقطع النظير في إقبال أهل العلم عليه رجوعا ونسخا. وبالأخير توفق للنشر بعد وفاة المؤلف بقليل، فطبع على الحجر بإيران خمس