والصلاة لأنه عمل بخلاف هوى النفس الامارة بالسوء على قصد ابتغاء مرضاة الله تعالى كما قال تعالى: * (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) * وليس من ضرورة هذا كون العمل مأمورا به. والفريق الثاني يقولون: ما يفيد الإباحة والندب فموجبه بعض موجب ما هو الايجاب لان بالايجاب هذا وزيادة، فيكون هذا قاصرا لا مغايرا، والمجاز ما جاوز أصله وتعداه. وبهذا يتبين أن الاسم فيه حقيقة، وهذا ضعيف أيضا، فإن موجب الامر حقيقة الايجاب وقطع التخيير، لان ذلك من ضرورة الايجاب وبالإباحة والندب لا ينقطع التخيير. عرفنا أن موجبه غير موجب الامر حقيقة وإنما يتناوله اسم الامر مجازا. والدليل عليه أن العرب تسمي تارك الامر عاصيا وبه ورد الكتاب قال الله تعالى: * (أفعصيت أمري؟) * وقال القائل:
أمرتك أمرا جازما فعصيتني وكان من التوفيق قتل ابن هاشم وقال دريد بن الصمة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد فلما عصوني كنت فيهم وقد أرى غوايتهم في أنني غير مهتدي وتارك المباح والمندوب إليه لا يكون عاصبا، فعرفنا أن الاسم لا يتناوله حقيقة، ثم حد الحقيقة في الأسامي ما لا يجوز نفيه عما هو حقيقة فيه، ورأينا أن الانسان لو قال: ما أمرني الله بصوم ستة من شوال كان صادقا، ولو قال: ما أمرني الله بصوم رمضان كان كاذبا، ولو قال: ما أمرني الله بصلاة الضحى كان صادقا، ولو قال:
ما أمرني الله بصلاة الظهر كان كاذبا. ففي تجويز نفي صيغة الامر عن المندوب دليل ظاهر على أن الاسم يتناوله مجازا لا حقيقة.
فأما الكلام في موجب الامر، فالمذهب عند جمهور الفقهاء أن موجب مطلقه الالزام إلا بدليل. وزعم ابن سريج من أصحاب الشافعي أن موجبه الوقف حتى يتبين المراد بالدليل وادعى أن هذا مذهب الشافعي، فقد ذكر في أحكام القرآن في قوله:
* (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * أنه يحتمل أمرين. وأنكر هذا أكثر أصحابه وقالوا مراده أنه يحتمل أن يكون بخلاف الاطلاق، وهكذا قال في العموم إنه يحتمل الخصوص بأن يرد دليل يخصه وإن كان الظاهر عنده العموم،