وبين ملك النكاح منافاة فينعدم الملك، ومن ضرورة انعدامه خروج السبب من أن يكون مشروعا، لان الأسباب الشرعية تراد لأحكامها وثبوت النسب ووجوب المهر والعدة من حكم الشبهة لا من حكم أصل العقد شرعا، وهذا الكلام يتضح في النكاح بغير شهود، فإن قوله عليه السلام: لا نكاح إلا بشهود إخبار عن عدمه بدون هذا الشرط فيكون نفيا لا نهيا، بمنزلة قول الرجل لا رجل في الدار، وكذلك في نكاح المحارم، فإن النص الوارد فيه تحريم العين بقوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) * إلى آخر الآية ولا يجتمع الحل والحرمة في محل واحد فكان ذلك نفيا للحل بالنكاح لا نهيا، وكذلك نكاح المعتدة فإن قوله تعالى: * (والمحصنات من النساء) * معطوف على قوله تعالى: * (حرمت عليكم أمهاتكم) * معناه: وحرمت المحصنات من النساء، وذلك عبارة عن منكوحة الغير ومعتدته فيكون نفيا لا نهيا، وكذلك قوله تعالى:
* (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) * فقد ظهر بالدليل أن الحرمة الثابتة بالمصاهرة هي الثابتة بالنسب على أن تقوم المصاهرة مقام النسب في ذلك، فكان تقديره: وحرمت عليكم ما نكح آباؤكم، وتصير صورة النهي عبارة عنه مجازا باعتبار هذا المعنى فكان نفيا كما هو موجب النسخ لا نهيا، وكذلك قوله عليه السلام:
لا تنكح الأمة على الحرة فإنه إخبار فيكون نفيا للنكاح مع أن الدلالة قد قامت على أن الأمة من جملة المحرمات مضمومة إلى الحرة فإن الحل فيه على النصف من حل الحرة على ما نبينه في موضعه إن شاء الله تعالى، ومن ضرورة حرمة المحل انتفاء النكاح المشروع فيه كما قررناه، وعلى هذا عقد الربا فإنه نوع بيع ولكنه فاسد لا بخلل في ركنه بل لانعدام شرط الجواز وهو المساواة في القدر فكما أن بوجود شرط مفسد لا ينعدم أصل المشروع فكذلك بانعدام شرط مجوز لا ينعدم أصل المشروع وثبوت ملك حرام به كما اقتضاه مثل هذا السبب.