فأما الاعراض عنه والاشتغال بالفرق يكون قبولا لما فيه احتمال أن لا يكون حجة لاثبات الحكم، واشتغالا بإثبات الحكم بما ليس بحجة أصلا في موضع النزاع وهو عدم العلة، فتبين أن هذا ليس من المفاقهة في شئ، والله أعلم.
فصل: الممانعة قال رضي الله عنه: اعلم بأن الممانعة أصل الاعتراض على العلة المؤثرة من حيث إن الخصم المجيب يدعي أن حكم الحادثة ما أجاب به، فإذا لم يسلم له ذلك يذكر وصفا يدعي أنه علة موجبة للحكم في الأصل المجمع عليه وأن هذا الفرع نظير ذلك الأصل، فيتعدى ذلك الحكم بهذا الوصف إلى الفرع، وفي هذا الحكم دعويان فهو أظهر في الدعوى من الأول، أي حكم الحادثة، وإن كانت المناظرة لا تتحقق إلا بمنع دعوى السابق عرفنا أنها لا تتحقق إلا بمنع هذه الدعاوى أيضا فيكون هو محتاجا إلى إثبات دعاويه بالحجة، والسائل منكر فليس عليه سوى المطالبة لإقامة الحجة بمنزلة المنكر في باب الدعاوى والخصومات، وإليه أشار صاحب الشرع (ص) حيث قال للمدعي: (ألك بينة) وبالممانعة يتبين العوارض ويظهر المدعي من المنكر، والملزم من الدافع بعدما ثبت شرعا أن حجة أحدهما غير حجة الآخر.
ثم الممانعة على أربعة أوجه: ممانعة في نفس العلة، وممانعة في الوصف الذي يذكر العلل أنه علة، وممانعة في شرط صحة العلة أنه موجود في ذلك الوصف، وممانعة في المعنى الذي به صار ذلك الوصف علة للحكم.
أما الممانعة في نفس العلة فكما بينا أن كثيرا من العلل إذا تأملت فيها تكون احتجاجا بلا دليل، وذلك لا يكون حجة على الخصم الاثبات.