ومن بناها إلا أن الحقيقة في كل كلمة ما بينا، وعلى هذا الأصل كان الاختلاف في قوله لامرأته: اختاري من الثلاث ما شئت فاختارت الثلاث، فإن عندهما تطلق ثلاثا، وعند أبي حنيفة رحمه الله ثنتين بمنزلة قوله: أعتق من عبيدي من شئت، ولاحتمال معنى العموم في كلمة ما قلنا إذا قال لامته إن كان ما في بطنك غلاما فأنت حرة فولدت غلاما وجارية إنها لا تعتق، لان الشرط أن يكون جميع ما في بطنها غلاما.
ونظير هاتين الكلمتين كلمة الذي فإنها مبهمة مستعملة فيما يعقل وفيما لا يعقل وفيها معنى العموم على نحو ما في الكلمتين، حتى إذا قال: إن كان الذي في بطنك غلاما كان بمنزلة قوله إن كان في بطنك غلاما.
وكلمة أين وحيث للتعميم في الأمكنة، قال الله تعالى: * (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * وقال تعالى: * (أينما تكونوا يدرككم الموت) * ولهذا لو قال لامرأته: أنت طالق أين شئت وحيث شئت يقتصر على المجلس، لأنه ليس في لفظه ما يوجب تعميم الأوقات.
وأما متى كلمة مبهمة لتعميم الأوقات، ولهذا لو قال: أنت طالق متى شئت لم يتوقف ذلك على المجلس.
وأما كلمة كل فإنها توجب الإحاطة على وجه الافراد، قال الله تعالى:
* (إنا كل شئ خلقناه بقدر) * ومعنى الافراد أن كل واحد من المسميات التي توصل بها كلمة كل يصير مذكورا على سبيل الانفراد كأنه ليس معه غيره، لان هذه الكلمة صلة في الاستعمال حتى لا تستعمل وحدها لخلوها عن الفائدة، وهي تحتمل الخصوص نحو كلمة من إلا أن معنى العموم فيها يخالف معنى العموم في كلمة من، ولهذا استقام وصلها بكلمة من، قال الله تعالى: * (كل من عليها فان) * حتى لو وصلت باسم نكرة تقتضي العموم في ذلك الاسم، فأما إذا قال لعبده: أعط كل رجل من هؤلاء درهما كانت موجبة للعموم فيهم، ولهذا لو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق تطلق كل امرأة يتزوجها على العموم، ولو تزوج امرأة