الأصل، وباعتبار صفة الحرمة زوال ملك الوطئ عن الحرة يعقب عدة موجبة براءة الرحم فلا تقع الحاجة إلى إقامة استحداث ملك الوطئ بالنكاح مقام حقيقة اشتغال الرحم في إيجاب الاستبراء للتحرز عن الخلط، وعلى هذا قلنا: إذا قال لامرأته أنت طالق الساعة إن كان في علم الله أن فلانا يقدم إلى شهر فقدم فلان بعد تمام الشهر يقع الطلاق عليها عند القدوم ابتداء، بمنزلة ما لو قال أنت طالق الساعة إن قدم فلان إلى شهر ومعلوم أن بعد قدومه قد تبين أنه كان في علم الله قدومه إلى شهر وأن التعليق كان بشرط موجود حقيقة، ولكن لما لم يكن لنا طريق الوقوف عليه إلا بعد القدوم صار القدوم الذي به يتبين لنا شرطا لوقوع الطلاق (فيقع الطلاق) عنده ابتداء، بخلاف ما لو قال: أنت طالق الساعة إن كان زيد في الدار ثم علم بعد شهر أن زيدا في الدار يومئذ فإنه يكون الطلاق واقعا من حين تكلم به، لأنه كان لنا طريق إلى الوقوف على ما جعله شرطا حقيقة فلا يقام ظهوره عندنا مقام حقيقته، ولكن تبين عند ظهوره أن الطلاق كان واقعا لأنه علقه بشرط موجود، والذي تحقق ما ذكرنا أن صاحب الشرع خاطبنا بلسان العرب فإنما يفهم من خطاب الشرع ما يفهم من مخاطبات الناس فيما بينهم، ومن يقول لعبده أعط هذه المائة الدرهم هؤلاء بالسوية وهم مائة نفر نعلم قطعا أن مراده إعطاء كل واحد منهم درهما، بمنزلة ما لو قال أعط كل واحد منهم درهما، وكذلك يفهم من الخاص والعام في مخاطبات الشرع الحكم قطعا فيما تناوله كل واحد منهما. ومن قال لغيره:
لا تعتق عبدي سالما ثم قال أعتق البيض من عبيدي وسالم بهذه الصفة فإنه يكون له أن يعتقه وبإعتاقه يكون ممتثلا للامر لا مرتكبا للنهي، فكذلك نقول في العام المتأخر في خطاب الشرع إنه يكون قاضيا فيما تناوله على الخاص، فإذا كان حكم الخاص ثابتا قطعا فيما تناوله فلا بد من أن يكون العام كذلك ليكون قاضيا عليه.
فإن قيل: أليس أن تخصيص العام بالقياس وخبر الواحد جائز، ومعلوم أن القياس وخبر الواحد لا يوجب العلم قطعا فكيف يكون رافعا للحكم الثابت قطعا بصيغة