السماع وعند السماع يثبت الحكم في حقه ابتداء كأن الخطاب نزل الآن، وعلى هذا قلنا: إذا قال لامرأته إن كنت تحبينني فأنت طالق، أو قال: إن كنت تحبين النار فأنت طالق فقالت أنا أحب ذلك يقع الطلاق، لان حقيقة المحبة والبغض في باطنها ولا طريق لنا إلى معرفته فلا يتعلق الطلاق بحقيقته، ولكن طريق معرفتنا في الظاهر إخبارها فيجعل الزوج معلقا الطلاق بإخبارها حكما، فإذا قالت أحب يقع الطلاق لوجود ما هو الشرط حقيقة وهو الخبر فإن الخبر يحتمل الصدق والكذب، وإذا ثبت هذا في الخاص فكذلك في العام فإن احتمال الخصوص باطن وهو غيب عنا ما لم يظهر بدليله فقبل ظهوره يكون موجبا الحكم فيما تناوله قطعا، إلا أن الشافعي يقول مع هذا احتمال إرادة الخصوص لم ينعدم ولكن ليس في وسعنا الوقوف عليه عند الخطاب فنجعل العام موجبا الحكم فيما تناوله عملا ولا نجعله موجبا للحكم قطعا فيما يرجع إلى العلم به لبقاء احتمال الخصوص. وهكذا أقول في الخاص:
الإرادة المغيرة فيها احتمال إلا أن ذلك مانع عن ثبوت حكم الحقيقة عملا به فيكون في معنى الناسخ الذي هو مبدل للحكم أصلا، والناسخ لا يكون مقترنا بالنص الموجب للحكم بل إنما يرد النسخ على البقاء، فكذلك في الخاص أجعل ظهور إرادة المجاز بدليله عاملا ابتداء فقبل ظهوره يكون حكم الخاص ثابتا قطعا، وأما إرادة الخصوص لا يكون رافعا للحكم أصلا فيبقى معتبرا مع وجود العمل بالعام فلا يثبت العلم بموجبه قطعا، وعلى هذا نقول في قوله إن كنت تحبينني إنه يقع الطلاق إذا أخبرت به لان ما ليس في وسعه الوقوف عليه وهو حقيقة المحبة والبغض بحال فيسقط اعتباره في حكم العمل، ولو قال: إن كنت تحبين النار فأنت طالق فقالت أحب لا يقع الطلاق، لان كذبها ههنا معلوم قطعا فإن أحدا ممن له طبع سليم لا يحب النار، ويكون هذا بمنزلة العام الذي ليس فيه احتمال الخصوص، كقوله تعالى: * (إن الله بكل شئ عليم) * فإن حقيقة الموجب بمثل هذا العام معلوم قطعا بخلاف العام الذي هو محتمل الخصوص. ولكن الجواب عنه أن نقول: كما أن الله تعالى لم يكلفنا ما ليس في وسعنا فقد أسقط عنا ما فيه حرج علينا كما قال تعالى: * (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) * وفي اعتبار الإرادة الباطنة في العام الذي هو محتمل لها نوع حرج،