الجواب إن هذا لا يعترض على شئ مما قدمنا ولا يمنع جواز نسخ القرآن بالسنة على الوجه الذي بينا من وجوه أحدهما أنا إذا سلمنا له ما ادعاه من ذلك في كون التلاوة خيرا له لما يستحق بها من زيادة الثواب فقد ثبت أن في الآية ضميرا ليس مذكورا في اللفظ وهو كون ثوابها خيرا لنا فحينئذ لا يكون خصمنا أولى بصرف معناها إليه منا بصرفه إلى الحكم وما لنا فيه من النفع والصلاح ووجه آخر وهو أنه قد ثبت أن المراد بقوله خيرا منها أنه خير لنا لأن الآية ليست خيرا من آية أخرى غيرها في نفسها وإذا كان كذلك فقد ثبت أن المراد أنه أنفع لنا وأصلح إما من جهة استحقاق زيادة الثواب وإما من جهة النفع والصلاح ثم لا يختلف حينئذ الحكم الثابت بالسنة والحكم الثابت بالقرآن إن كان هذا الإطلاق يجوز أن يتناول كل واحد منهما على حياله بأنه خير لنا في باب أنه أصلح لنا فليس إذن فيما ذكره هذا القائل ما يمنع كون الثاني خيرا من الأول على الوجه الذي بينا وأيضا فإذا كان جائز أن يكون حكم السنة خيرا لنا من حكم لو كان في القرآن وجاز هذا الإطلاق فيه كما جاز فيما ذكره من استحقاق زيادة الثواب كان أقل أحواله تجويز الأمرين من نسخها بقرآن مثلها أو خير منها من جهة الثواب ومن نسخها بالسنة من جهة ما يكون خيرا لنا في باب النفع والصلاح وأيضا فإن الذي يقتضيه حقيقة اللفظ نسخ النظم والتلاوة لأن الآية اسم للنظم والرسم لا الحكم ولا دلالة فيه على نسخ الحكم إذ جائز بقاء الحكم مع نسخ التلاوة وإذا كان كذلك صار تقدير الآية ما ننسخ من نظم آية ورسمها نأت بخير منها أو مثلها فلا يعترض ذلك على موضوع الخلاف لأن الخلاف بيننا إنما هو في نسخ حكم الآية بالسنة لا في نسخ النظم والتلاوة إذ لا خلاف بين من يجيز نسخ التلاوة أنه جائز وقوعه بغير قرآن لما بيناه فيما سلف وأيضا فليس في قوله تعالى نأت بخير منها أو مثلها دلالة على أن المأتي به
(٣٥٠)