إغفال بعض الرواة لبعض معانيه وما جرى مجرى ذلك فيصير المعمول به عند الناس كالمنقول من طريق التواتر والآخر كخبر الواحد فلا يعترض به عليه وأما الآتيان فجواز وقوع ذلك فيهما مأمون منهما قيل له ليس كذلك لأن عيسى لم يفرق ما بين الخبرين المتضادين إذا وردا من جهة التواتر وبينهما إذا وردا من طريق الآحاد فعلمنا أنه لم يعتبر ما ذكرت وعلى أنه لما اعتبر ظهور الحكم الناسخ أنه ناسخ كظهور المنسوخ كان عندهم بدءا وجب ألا يختلف في ذلك حكم الآيتين والخبرين لأن نقل الناسخ منهما أنه ناسخ واجب على من عمله كذلك كنقل لفظه وأحكامه وإذا لم ينقل أنه هو الناسخ علمنا أن حكمه موكول إلى الاجتهاد واعتبار الأصول قال أبو بكر وأما طرق الاستدلال على الحكم الناسخ منهما من جهة الأصول فعلى وجوه كثيرة يتعذر وصف جميعها ولكنا نذكر منها جملا يعتبر بها نظائرها وتدل على أمثالها فنقول وبالله التوفيق إن مما يجب اعتباره في حكم الخبرين المتضادين إذا لم يعلم تاريخهما وجاز على أحدهما أن يكون منسوخا بالآخر أن ما كان من ذلك مباح الأصل ثم ورد فيه خبران أحدهما يوجب الإباحة والآخر الحظر فحكم الحظر أولى ويصير خبر الحظر رافعا للإباحة ومن الناس من لا يسمى ذلك نسخا إذا لم تكن الإباحة المتقدمة ثابتة من جهة الشرع وليس غرضنا في هذا الموضع الكلام في أن ذلك يسمى نسخا أو لا يسمى لأن ذلك كلام في العبارة فلا معنى للاشتغال به وإنما يجب أن يكون كلامنا في المعنى وفي إثبات الحكم وزواله وفي أن أي الخبرين يجب أن يكون قاضيا على الآخر ومزيلا لحكمه فنقول إن الدلالة على صحة ما ذكرنا من وجوب القضاء بخبر الحظر دون الإباحة أنا قد علمنا ورود النقل عن الإباحة التي كانت الأصل بخبر الحظر والخبر المبيح جائز أن يكون وروده مؤكدا للإباحة التي كانت هي الأصل من طريق دلالة العقل إذ ذلك غير ممتنع وفي القرآن والسنن منه ما يفوق الإحصاء نحو قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق وقوله تعالى فامشوا في مناكبها وكلوا من
(٢٩٤)