منه بكونه قبيحا إذا وقع من فاعله وغير جائز أن يدل على فعل شئ في وقت بعينه أنه حسن ثم يدل عليه أيضا أنه قبيح من الوجه الذي دل عليه حسنه لأن هذا يقضي تناقض دلالته وتنافيها تعالى الله عن ذلك وكما لا يجوز أن يخبرنا عنه بأنه حسن ويخبر عنه أيضا بأنه قبيح فكذلك لا يجوز أن يتناوله الأمر والنهي على هذا الوجه لما قدمنا أن الأمر والنهي يجريان مجرى الإخبار في باب الدلالة على الحسن أو القبيح فإن قال قائل ما أنكرت أن يكون المأمور به فيما ذكرت غير المنهي عنه وإن كان معينا بوقت محصور قيل له هذا محال لأنه قد دل بالأمر على أنه متى أوقع هذا الفعل في ذلك الوقت على الوجه المأمور به وقع حسنا والنسخ إذا ورد فإنما تناول ذلك الفعل بعينه لا فعلا غيره لأنه لم يكن هناك فعل غير ما تعلق حكمه بالأمر فيتناوله النسخ على أنه إن كان النهي الذي وقع به النسخ لم يتناول ذلك المأمور به بعينه فواجب أن يبقى وجوب فعله بعد النهي على حسب اقتضائه الأمر بدءا وهذا يدل على أن هذا السائل لم يحصل معنى ما قال دليل آخر وهو أنه معلوم أن ما أمر الله به فقد أراد منا فعله وما نهانا عنه فقد كره منا فعله لأنه لو جاز ألا يكون مريدا لما أمر به لجاز أن يكون مريدا بضده ولو جاز ذلك لما كان المأمور مطيعا بفعل ما أمر به لأنه إنما يكون مطيعا له بفعل ما أراده منه وكان لا يكون عاصيا بفعل ما نهاه عنه لأنه قد أراده منه فكان يجب أن يكون مرتكب النهي مطيعا لله
(٢٣٢)