فإن قيل قال الله تعالى وقال الذين لا يرجون لقاءنا من ائت بقران غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي فدل أنهم سألوه تبديل الآية نفسها وقد أخبر أنه لا يبدله من تلقاء نفسه ولو جاز نسخه بالسنة لكان قد بدله من تلقاء نفسه قيل له هذا استدلال فاسد من وجوه أحدها أنهم إذا كانوا سألوه تبديل الآية نفسها لم يعترض على ذلك الحكم وكلامنا إنما هو في الحكم الذي يثبت بالقرآن هل يجوز نسخه بالسنة أم لا وعلى أنه لا يخلو من أن يكون سألوه تبديل النظم والرسم أو تبديل الحكم أو تبديلهما جميعا فإن كانوا سألوه تبديل النظم وهو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ فلا دلالة فيه على موضع الخلاف من المسألة لما بينا ولأن أحدا غير الله لا يقدر على تبديل نظم القرآن إلى نظم آخر معجز فلا معنى للاشتغال بهذا الوجه في موضع الخلاف وإن كانوا سألوه تبديل الحكم دون النظم لم يعترض أيضا على قولنا لأن أكثر ما فيه نفي تبديله من تلقاء نفسه ونحن لا نقول إنه يبدله من تلقاء نفسه وإنما يبدله الله بوحي من عنده إما قرآن وإما غير قرآن ويدل على ذلك قوله في سياق الخطاب إن أتبع إلا ما يوحى إلي والوحي لا يختص بالقرآن دون غيره فهذا يدل على جواز تبديل حكمه بوحي ليس بقرآن وعلى أنه لا يجوز لنا حمل المعنى على الحكم لأن الذي يقتضيه ظاهر اللفظ نسخ النظم والرسم إذ كان المعنى الذي من أجله كان قرآنا وجوده على ضرب من النظم وإن كانوا سألوه تبديل النظم والحكم معا فلا دلالة فيه أيضا على ما اختلفنا فيه لأنا لم نقل أنه يبدل شيئا منه من تلقاء نفسه وإنما قلنا إنما يتبع ما يوحى إليه
(٣٥٢)