فإن قال قائل لا يطلق اسم المماثلة على الحقيقة إلا فيما يكون مماثلا له من جميع جهاته فإذا لم يكن كذلك فإنما يقال هو مثله على التقييد قيل له لم يرد بالمثل ها هنا ما ذكرت لما بينا فثبت أنه أراد المماثلة من بعض الوجوه فقدت دلت الآية في هذين الوجهين على جواز نسخ القرآن بالسنة وأما ما قلنا إنه لا دلالة فيها على ما ذهبوا إليه فمن جهة أن الذي في الآية أنه إذا نسخ آية أتى بخير منها ولم يذكر الناسخ لها وإنما قلنا فيها أنه يأت بخير من المنسوخ أو مثله وليس يمتنع أن ينسخ الآية بالسنة ثم يأتي بآية أخرى مثلها ولا تكون هي الناسخة إذ لم يقل ما ننسخ من آية نأت بما ينسخها خيرا منها ويدل على ذلك أن قوله نأت بخير منها راجع إلى الحكم والتلاوة ونسخ التلاوة لا يكون بآية مثلها بل بغير آية ثم يأتي بآية خير منها ليست هي الناسخة للتلاوة فكذلك هذا في الحكم وأيضا فإن الذي تقتضيه حقيقة اللفظ هو نسخ التلاوة والنظم دون الحكم لأن الآية في الحقيقة اسم للنظم ألا ترى أن الآية قد تكون باقية والحكم منسوخ وقد تنسخ الآية والحكم باق فدل على أن الآية اسم للرسم والنظم دون الحكم فوجب أن يحمل قوله ما ننسخ من آية على نسخ التلاوة والرسم دون الحكم وألا يدخل الحكم فيه إلا بدلالة وأيضا لا يخلوا قوله تعالى ما ننسخ من آية من أحد أوجه ثلاثة إما أن يريد به نسخ التلاوة دون الحكم أو نسخ الحكم دون التلاوة أو نسخهما معا
(٣٤٨)