على الأصل الذي كان عليه حال الشئ المحكوم فيه قبل ورود حظره وأيضا فإن ما كان أصله الإباحة قبل ورود السمع ثم أقر النبي عليه السلام الناس عليه وترك النكير عليهم في إتيانهم إياه على وجه الإباحة فإن ذلك يكون بمنزلة الإخبار عن النبي عليه السلام بإباحته فلما لم يمنع ما كان أصله ما وصفنا من القضاء بخبر الحظر عليه وإزالته عن حكم الإباحة المتقدمة كذلك ورود خبر الإباحة مع خبر الحظر لا يمنع القضاء بالحظر دون الإباحة كما لم يمنع النبي عليه السلام الناس عن إباحة شئ من إزالته بخبر الحظر فإن قال قائل يلزمك على هذا الأصل أن تقضي بخبر إيجاب الوضوء من مس الذكر على الخبر النافي له لأن خبر النفي وارد على الأصل وخبر الإيجاب ناقل عنه فوجب حظر الصلاة قبل إحداث الطهارة بعد المس قيل له لا يلزمنا ذلك لأن خبر الوضوء من مس الذكر لو انفرد عن معارضة خبر النفي لما لزمنا قبوله على أصلنا لأنه مما بالناس إلى معرفته حاجة عامة فلا يقبل فيه أخبار الآحاد وإنما ذكرنا الاعتبار الذي وصفنا في الخبرين إذا توازيا هو وتساويا في النقل ووجه الاستعمال فأما إذا كانا على غير هذا الوجه فلهما حكم آخر وكذلك يجب على هذا الاعتبار الذي قدمنا أن نقول لو علمنا شيئا كان أصله الحظر ثم ورود خبر يبيحه وخبر يحظره يجب أن تكون الإباحة أولى لأن الإباحة في هذه الحال طارئة على الحظر لا محالة والحظر يجوز أن يكون تأكيدا لما كانت عليه حاله قبل ورود إباحته فخبر الإباحة ناقل عن الحظر فلا يعلم خبر الحظر طارئا عليها ناقلا عنها فوجب أن يكون خبر الإباحة أولى ما لم تعم الدلالة على ورود خبر الحظر بعد خبر الإباحة ولا أحفظ عن أبي الحسن رحمه الله شيئا في هذا الفصل الأخير واعتلاله لما ذكرنا في الفصل المتقدم يدل على أن خبر الإباحة في مثله أولى لما ذكرنا من ثبوت ورودها على الحظر وإزالتها لحكمه يقينا وغير معلوم ورود خبر الحظر عليها بعد ذلك بل جائز أن يكون ورد تأكيدا لما كان عليه حكم الحظر قبل ورود الإباحة إلا أني قد سمعته
(٢٩٧)