ومما يستدل به على الناسخ أن يرد خبران متضادان مع احتمال نسخ أحدهما بالآخر فيختلف أهل العلم في الناسخ منهما بعد اتفاق الجميع على نسخ بعض أحكام أحدهما فيدل ذلك من أمره على أنه متقدم على الخبر الذي لم يتفق على نسخ شئ منه فواجب أن يكون ما اتفق على نسخ بعضه منسوخا بالآخر لدلالة الاتفاق على أن بعض ما فيه قد نسخ بالآخر وأن الآخر قد صار متأخرا عنه في وجوب نسخ بعضه وذلك نحو ما روي أن النبي عليه السلام كان يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وإذا نهض إلى القيام وروي عن عبد الله بن مسعود والبراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى وقد اتفق الجميع على ترك الرفع عند السجود وعند رفع رأسه منه وإذا نهض إلى القيام فدل على أن خبر رفع اليدين في هذه الأحوال متقدم لخبر الترك فوجب أن يجعل منسوخا به وذلك لأنه لم يثبت هنا خبر يوجب نسخ الرفع عند السجود وبعده إلا الخبر الذي روي فيه ترك الرفع في الركوع وفي سائر أحوال الصلاة إلا عند الافتتاح وإذا ثبت أن هذا هو الناسخ للرفع عند السجود صار متأخرا عنه في التاريخ فوجب أن ينسخ الرفع عند الركوع إذ ليس في لفظه وما يقتضيه عمومه فرق بين الرفع عند الركوع وعند السجود ونظيره أيضا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في المغرب والعشاء والفجر وفي سائر الصلوات وروي عنه ترك القنوت في سائر الصلوات واتفقت الجميع على تركه في
(٣٠٧)