والثاني قوله قد جعل الله لهن سبيلا قد دل على أن آية الجلد لم تكن نزلت وأن السبيل كان متقدما فلم يكن يصح الإخبار بأن السبيل مأخوذ عنه ولا ينبههم على وجوده إلا مع تقدم علمهم بها وتقريرها قبل ذلك عندهم وعلى أنه لو كان الأمر على ما ذكرت لكانت دلالة الخبر قائمة على وقوع نسخها بالسنة وهي أن آية الجلد معلوم أن حكمها مقصور على غير المحصن وقد كان الحبس والأذى حدا ثابتا على المحصن وغيره لأن أحدا من السلف لم يقل إنه كان حدا لأحد الفريقين دون الآخر وكانت آية الجلد ناسخة للحبس والأذى عن غير المحصن ولو خلينا بعد ذلك ومقتضى حكم آية الحبس والأذى وآية الجلد لأوجب ذلك بقاء حكم الحبس والأذى في المحصنين ولا شئ نسخه عنهما إلا إيجاب الرجم والرجم إنما ثبت بالسنة وعلى أنه ليس في آية الجلد ما يوجب نسخ الحبس والأذى لأنه لم يكن يمتنع اجتماعهما وما يصح اجتماعه مع الأول لا يجوز وقوع النسخ به فعلمنا أن النسخ وقع بغيره وليس في القرآن ما يوجب نسخه فثبت أنه منسوخ بالسنة فإن قيل ما أنكرت ألا يدل حديث عبادة في الجلد والرجم على نسخ الحبس والأذى لأن الذي في الآية من ذلك مؤقت بقوله تعالى أو يجعل الله لهن سبيلا فإنما بين الرسول عليه السلام ذلك السبيل كما لو قال في الآية إلى سنة لم يكن مضي السنة موجبا لنسخها قيل له ليس هذا كما ظننت لأن قوله أو يجعل الله لهن سبيلا ليس بتوقيت إذا لم يكن يمتنع مع وجود هذا القول ألا يجعل الله لهن سبيلا فيكون حدهما الحبس والأذى على
(٣٥٥)