يحتج أيضا بوجوب استعمال خبر الحظر دون الإباحة في الفصل المتقدم إذا وردا على الجهة التي وصفنا بأن ترك المباح لا يستحق عليه العقاب وفعل المحظور يستحق عليه العقاب فالاحتياط عند الشك اجتنابه والامتناع من موافقته قال أبو بكر والذي يعضد هذا الحجاج قول النبي عليه السلام الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك وقال فمن تركهن كان أشد استبراء لعرضه ودينه وقال عليه السلام إن لكل ملك حمى وحمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه قال أبو بكر والحجاج الذي حكيناه عن أبي الحسن في هذا الفصل يوجب أن يختلف الحكم في وجوب اعتبار الحظر لاختلاف حال الشئ المحكوم فيه في الأصل من حظر أو إباحة لأنه إذ كان المعنى الموجب لاستعمال خبر الحظر فيما وصفنا ما لزم من الأخذ بالحزم والاحتياط للدين فهذا موجود فيما كان أصله الحظر ثم ورد فيه خبران أحدهما حاظر والآخر مبيح وتجويز ورود خبر الحظر بعد الإباحة قائم فالواجب أن يكون ما لزم من الاحتياط للدين والأخذ بالحزم موجبا للحظر دون الإباحة فإن قال قائل ليس في استعمال الحظر دون الإباحة احتياط وأخذ بالحزم من الوجه الذي ذكرت لأنه محظور عليه اعتقاد الحظر فيما هو مباح كما حظر علينا اعتقاد الإباحة فيما هو محظور فمن اعتقد الحظر فيما جاز أن يكون مباحا فهو تارك للاحتياط قيل له ليس كذلك لأنه إذ كان مأمورا بترك الإقدام على مالا يأمنه محظورا وكان ذلك أصلا ثابتا في الشريعة وجب اعتباره فيما وصفنا وقد بينا ذلك فيما سلف من القول في وجوب الأمر قال أبو بكر رحمه الله وقد ذهب عيسى بن أبان إلى غير هذا المذهب الذي حكيناه عن أبي الحسن رحمه الله فيما كان أصله الإباحة ثم ورد خبران حاظر ومبيح ولم يعلم
(٢٩٨)