والذي يدل على مذهب أصحابنا على ما ذكرنا إيجابهم التتابع في صوم كفارة اليمين لما ذكروا أن في حرف عبد الله بن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات ومعلوم أن ذلك ليس في القرآن اليوم ولا يجوز تلاوته فيه ولا القطع بأنه منه وقد كان حرف عبد الله مستفيضا عندهم في ذلك العصر ومعلوم أن النسخ غير جائز وقوعه بعد موت النبي عليه السلام لأنه لو جاز بعد موته لم نأمن من أن تكون الشريعة كانت عند وفاة النبي عليه السلام أضعاف ما في أيدينا اليوم فرفعها الله من أوهام الأمة ولو جاز ذلك لجاز ألا يكون شئ مما في أيدينا من الشريعة مما كان موجودا في عصر النبي عليه السلام بأن يكون أنسى الأمة جميع ما أتى به النبي عليه السلام ورفعه من أوهامهم ثم ألف بين قلوبهم وألهمهم هذه الشريعة التي في أيدينا اليوم وفي القول بهذا المصحف خروج عن الملة فثبت امتناع جواز النسخ بعد وفاة النبي عليه السلام وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون ما ذكروه من شرط التتابع في كفارة اليمين في حرف عبد الله بن مسعود منسوخ التلاوة في حياة النبي عليه السلام بأن يكون قد أمروا بألا يقرؤوه من القرآن ولا يكتبوه في الصحف فلذلك لم ينقل إلينا من الطريق التي نقل القرآن ويكون معنى قولهم أنه في حرف عبد الله أن ذلك كان من القرآن في حرف عبد الله ثم نسخت التلاوة وبقي الحكم لأنه لو كان المراد أنه ثابت في حرف عبد الله بعد وفاة الرسول عليه السلام لما جاز أن يكون نقله إلينا إلا من الوجه الذي نقل إلينا منه سائر القرآن وهو التواتر والاستفاضة حتى لا يشك أحد في كونه منه فلما لم يرد نقله على هذا الوجه دل ذلك على أن مرادهم أنه مما كان في حرف عبد الله وأن تلاوته منسوخة
(٢٥٢)