وأما الوجه الثالث فهو ما يجوز العقل إيجابه تارة وحظره أخرى وإباحته مثل الصلاة والصيام والحج وذبح البهائم وما جرى مجرى ذلك فهذا الضرب مما يجوز ورود النسخ فيه على الوجه الذي كان يجوز العقل مجئ الشرع به وإنما صار النسخ يتطرق على هذا الوجه لأن حكمه مردود إلى ما في علم الله تعالى من المصلحة فإذا علم المصلحة في إيجابه أوجبه وإذا علمها في حظره بعد الإيجاب حظره وإذا علمها في إباحته دون إيجابه وحظره فعل فلذلك جاز أن يأمر بصيام شهر رمضان والصلوات في أوقاتها المعلومة ويحظر صيام يوم الفطر ويوم النحر وأيام التشريق ويحظر الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ويبيح فعل الصيام في غير هذين الوقتين وكذلك الصلاة فلذلك ليس يمتنع أن يتعبد الله تعالى بفعل هذه الأشياء على وجه الإيجاب ثم ينسخه بحظرها أو إباحتها ويدلك على الفرق بينه وبين الوجهين الأولين أنه جائز ورود العبادة بلزوم الصلاة والصيام بعض المكلفين وحظر هما على بعضهم كنحو ما أمر الطاهر بفعل الصلاة والصوم ونهي عنهما وهو في هذا الباب يجري مجرى سائر أفعال الله تعالى في تدبير عباده من الغني والفقر والصحة والمرض ومن إحداث الحر والبرد وكل شئ من ذلك في وقت دون وقت لما علم تعالى فيه من مصالح عباده فكذلك سبيل هذا الضرب الذي يتطرق عليه مجئ العبادة به تارة وبضده أخرى على حسب المصلحة
(٢٠٢)