الحكم لا يجب في المستقبل فلا يكون النسخ بمعنى الإزالة على هذا الوجه إلا تشبيها له بما كان ثابتا في موضوع فأزيل عنه إلى غيره ويدل على ما ذكرنا أيضا أن إزالة الشئ في اللغة لا يقتضي ارتفاع عينه ولا إبطاله لأنه يصح أن تقول أزلت الحجر عن موضعه وهو باق العين في موضع غيره والحكم الأول ليس بباق بعد النسخ فلا يصح فيه معنى الإزالة إلا على وجه المجاز وأما من قال معناه الإبطال في اللغة واستدل عليه بقولهم نسخت الشمس الظل فإنه يوجب أيضا أن يكون هذا اللفظ مجازا لأنهم قد قالوا نسخت الكتاب وليس فيه إبطال شئ وقال الله سبحانه وتعالى إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ولم يرد إبطال شئ بل معناه إثبات مقاديرها وما يستحق عليها من ثواب أو عقاب والله أعلم وهو في معنى نسخ الكتاب وإثبات مثله في هذا الوجه أولى بمعنى اللفظ من الإبطال ولو ثبت أيضا أن معناه الإبطال لما صح إطلاقه في الأحكام إلا مجازا لأن الحكم الأول لا يصح إبطاله بحال وإن ما ثبت في الثاني حكم غير الأول والأول لم يكن قط مرادا في الثاني فليس هناك حكم أبطل بالنسخ والنسخ في الشريعة هو بيان مدة الحكم الذي كان في توهمنا وتقديرنا جواز بقائه فتبين لنا أن ذلك الحكم مدته إلى هذه الغاية وأنه لم يكن قط مرادا بعدها ولا يجوز أن يكون لنسخ الأحكام معنى غيره لأنه غير جائز أن يكون الحكم الأول مرادا في الوقت الثاني الذي ورد فيه النسخ ثم أبطله ونهى عنه لأن ذلك هو
(١٩٧)