ووجه ما ذهب إليه عيسى رحمه الله أن كل واحد من خبري الحظر والإباحة لما احتمل أن يكون طارئا على صاحبه فنسخه وجب أن يسقطا جميعا إذا تساويا كأنهما لم يردا فيبقي الشئ على ما كان عليه حكمه قبل ورودهما وقد بينا وجه ما كان يقوله أبو الحسن رحمه الله في ذلك ومذهب أبي الحسن في هذا أظهر القولين عندي والله أعلم بالصواب فإن قال قائل قلتم في رجل دعي إلى طعام أو شراب فقال له رجل مسلم ثقة إن هذا اللحم ذبيحة مجوسي وهذا الشراب قد خالطه خمر وأخبره آخر أنه طاهر حلال أو كان ذلك في ماء أراد الوضوء به وقال له أحد المخبرين قد حلته نجاسة وقال الآخر هو طاهر أنه ينظر في ذلك فيعمل على آكد ظنه فإن لم يكن له رأي في ذلك واستوت الحالان عنده جاز له أكل ذلك وشربه والوضوء به وأسقطتم الخبرين لما تعارضا وجعلتموه بمنزلة ما لم يرد فيه خبر فهلا قلتم مثله في الخبرين المتضادين إذا رويا عن النبي عليه السلام وتساويا في النقل ودلالة الأصول أنهما يتعارضان ويسقطان قيل له الفرق بينهما أن أخبار النبي عليه السلام لما جاز فيها ورود الحظر على الإباحة ثم ورود الإباحة بعد الحظر وقد علمنا الحظر طارئا على الإباحة لا محالة والإباحة لو وردت بعد الحظر لظهر أمرها وانتشر تاريخها فيمن عرف الحظر لأن النبي عليه السلام كان لا محالة يظهر الإباحة لكافة من علم الحظر حتى ينتشر فيهم ويظهر كظهور الحظر قبلها على نحو ما قلناه في خبر النهي عن زيارة القبور وما ذكر معها ومتعة النساء ونحوها فلما فقدنا ذلك فيما وصفنا دل ذلك على أن خبر الإباحة ورد على الأصل وأن خبر الحظر متأخر عنه وكانت هذه جهة توجب لخبر الحظر مزية ليست الخبر الإباحة وتغلب
(٣٠٠)