وما قد يظهر من بعض مشايخنا من التشكيك في ذلك في غير محله.
نعم، لا يبعد بناء العقلاء على رجوع واجد الملكة لغيره في الاجتهاديات التي لا يتوقع الخطأ فيها، لقرب مقدمات الاجتهاد فيها من الحس، فتكون موردا لأصالة عدم الخطأ كالحسيات، دون الاجتهاد آيات الدقيقة التي هي معترك الآراء ومورد النقض والابرام والاخذ والرد، والتي هي معرض للخطأ، كالاجتهاد في عصورنا في الأحكام الشرعية، حيث لا مجال للبناء على قيام سيرة العقلاء على تقليد واجد الملكة لغيره فيها.
ومنه يظهر أنه لا مجال للاستدلال على جواز تقييد واجد الملكة بسيرة المتشرعة في الصدر الأول عليه. بدعوى قابلية كثير منهم في تلك العصور لتلقي الاحكام من المعصومين عليهم السلام مع اكتفائهم بأخذ الحكم من الرواة ونحوهم من المتفقهين، لوضوح عدم اقتصار الاخذ من هؤلاء على من لا قابلية له لفهم الحكم من خطابهم عليهم السلام، بل يعم من هو قابل لذلك، مع عدم الفرق بينه وبين من يأخذ عنه الا في السماع منهم عليهم السلام كالفرق بين واجد الملكة الذي لم ينظر في الأدلة وواجدها الناظر فيها والمستنبط منها.
لاندفاعها: بعدم توقع الخطأ في الاجتهاد سابقا، لابتنائه غالبا أو دائما على مقدمات قليلة قريبة من الحس، وقد عرفت أن رجوع واجد الملكة فيه للغير مقتضى السيرة العقلائية، ولم يتضح ابتلاؤهم بالاجتهادات الخفية النظرية المعرضة للخطأ كما صار إليه الاجتهاد في عصورنا، ولو فرض ابتلاؤهم بها والتفاتهم إليها فلم يتضح بناؤهم على رجوع واجد الملكة للغير فيها لينفع دليلا في محل الكلام، وما هو النظير للمتيقن من سيرتهم في عصورنا هو الرجوع للمتفقهين في آراء المجتهدين المطلعين عليها بمخالطة أهل العلم والنظر في الرسائل العملية ونحوها حتى ممن له قابلية معرفتها بالمباشرة، وهو خارج عن محل الكلام.