مع كثرة المجتهدين وتباعد أماكنهم وعدم ظهور أثر علمي لكثير منهم ليتسنى تمييز حاله، ولا سيما مع عدم الداعي لكثير ممن يمتلك قابلية التمييز للتصدي لذلك، لما فيه من الكلفة الزائدة وتحمل المسؤولية العظيمة.
وأما من هو متصل به من تلامذته ونحوهم فهم - بعد فرض حسن الظن بهم والثقة بورعهم - كثيرا ما ينصهرون به، أو بمدرسته العلمية، بنحو لا تبتني شهاداتهم له على اختياره مع غيره بوجه كاف، بل على الاعجاب به حتى يعتقدون تفوقه وإن لم يختبروا غيره، أو على إلفة مطالبه العلمية والتنفر من مطالب غيره، لبعدها عن أذواقهم المكتسبة منه أو من غيره. ومن هنا نرى تضارب الشهادات كثيرا.
وليس عمل عامة الناس في عصورنا مبنيا على الالتفات لهذه النكات والتحفظ على الميزان الشرعي، بل على الغفلة أو التسامح، فكثيرا ما يعتمدون في تعيين المرجع على غير أهل الخبرة ممن لهم اتصال به من أهل العلم أو ممن يتزيى بزيهم، كما تتدخل أمور جانبية كالشهرة والعواطف وغيرها في تصرفهم كثيرا.
لكن ليس مرجع ذلك إلى قيام السيرة من عامة الناس على التخيير مع العجز عن تعيين الأعلم، كما ذكره سيدنا الأعظم قدس سره، بل إلى الغفلة أو التسامح في تعيين المرجع مع عدم الخروج عن مقتضى السيرة الارتكازية على أهمية الأعلمية ومرجحيتها.
ولا يخلو عن ذلك إلا الخاصة الذين لا تنعقد بعملهم سيرة صالحة للاستدلال، لتبعية عملهم لفتاوى العلماء على اختلافها، فلا تكون دليلا عليها.
بل لا تصلح سيرة العامة لذلك أيضا - لو غض النظر عما مضى من ابتنائها على الغفلة أو التسامح - لعدم إحراز اتصالها بحضور المعصومين عليهم السلام، للفرق بين عصرنا وتلك العصور، حيث لا يبعد قلة الالتفات فيها للاختلاف وبناؤهم