الشرعية إما أن يكون مجاراة للعامة أخذا بما يلتزمون بنظيره - كما لعله الغالب - أو لحصول القطع بسببه من باب تنقيح المناط أو نحوه، ولو للغفلة عن الحال، حيث لابد من تأويل ما يقبل التأويل في مقابل المقطوع به من مذهبهم.
بل لا يبعد كون ذلك هو المراد لكثير من الأصوليين من العامة، وان اختلفوا معنا في تعيين الحجج، وأن ذكر الظن في التعريف لأنه أقل ما يكتفي به المجتهد.
وربما كان ذلك هو الاجتهاد بالمعنى الأعم عندهم، وما قبله هو الاجتهاد بالمعنى الأخص، كما يظهر من بعضهم.
بل في نهاية ابن الأثير بعد الكلام المتقدم قال: " والمراد به رد القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسنة، ولم يرد الرأي الذي رآه من قبل نفسه من غير حمل على كتاب أو سنة "، ونحوه في لسان العرب.
ومقتضاه مباينة الاجتهاد للمعنى المتقدم، لا أنه أعم منه. وإن كان ذلك لا يناسب طريقتهم في الاستنباط.
إلا أن ينزل على الرد للكتاب والسنة ولو بلحاظ دلالتهما بنظرهم على حجية بعض أقسام الرأي، فيرجع إلى ما ذكرنا من كون المراد بالاجتهاد تشخيص الوظيفة اعتمادا على الحجة.
نعم، ذلك لا يناسب التعريف الأول، ويحتاج تنزيله عليه إلى تكلف. كما لا يناسب المعنى اللغوي، لوضوح أن مجرد بذل الوسع من دون وصول للوظيفة الفعلية ليس اجتهادا بالمعنى المذكور، بخلاف المعنى الأول، لان بذل الوسع عندهم كاف في تحقق الوظيفة، لحجية الظن الحاصل منه عندهم.
كما أن بذل الوسع مع تشخيص الوظيفة ليس دخيلا في مفهوم الاجتهاد، بل في تحققه، لتوقف تشخيص الوظيفة على اليأس من الظفر بدليل اخر ولو كان معارضا.