أن عدم وجوده فيه ليس مستندا إلى عدم قابلية المحل للضدين معا بل هو مستند إلى علة أسبق وهي عدم قوة مقتضيه بدرجة تؤثر في إيجاده فيه واعدام الضد الموجود لأن المحل قابل لكل منهما شريطة ثبوت مقتضيه إذا لم يكن مزاحما لمقتضى الآخر وشريطة أقوائيته إذا كان مزاحما له.
وبكلمة أن المحل وإن لم يكن قابلا ذاتا للجمع بين وجودي الضدين معا ولكنه قابل كذلك لأحدهما وعلى هذا فإذا وجد أحدهما فيه دون الآخر فبطبيعة الحال يستند الضد المعدوم إما إلى عدم ثبوت مقتضيه أو عدم قوته وضعفه بالنسبة إلى مقتضى الضد الموجود لا إلى عدم قابلية المحل لأن تأثير المقتضي للضد الموجود فيه في كل آن منوط بقوته بدرجة أكبر من قوة مقتضي الضد المعدوم وإذا صار الأمر بالعكس في الآنات التالية فلا محالة يوجد الضد المعدوم فيه ويعدم الضد الموجود.
الوجه الثالث: أن الضد لو كان مانعا عن الضد الآخر وكان عدمه من أجزاء العلة التامة لزم الدور بيان ذلك أن وجود الحركة مثلا لو كان مانعا عن وجود السكون وبالعكس لكان لازمه أن يكون عدم الحركة جزء أخيرا للعلة التامة للسكون وعدم السكون جزء أخيرا للعلة التامة للحركة.
ونتيجة هذا أن عدم الحركة متقدم على السكون رتبة باعتبار أن العلة التامة بكامل أجزائها متقدمة على المعلول كذلك وعدم السكون متقدم على الحركة رتبة بنفس الملاك هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن تقدم عدم كل منهما رتبة على وجود الآخر مما لا استحالة فيه ولا يلزم منه أي محذور إذ لا مانع من الالتزام بأن عدم الحركة متقدم رتبة على السكون بملاك أنه من أجزاء علته التامة وعدم السكون متقدم رتبة على الحركة بنفس الملاك مع أن وجود الحركة لا يكون متقدما على وجود السكون بل هما في مرتبة واحدة على