وأما الأمر الثاني فلأن الممدوح عليه هو التأديب بالحمل الشائع كما أن الواجب هو التوصل بالحمل الشائع إلا أن بينهما فرقا فإن التأديب عنوان قصدي فاختياريته إنما هي بقصد عنوانه لا باختيارية الضرب فإذا صدر ضرب من ضارب بالاختيار بدون أن يكون قاصدا به التأديب لم يصدر منه التأديب بالاختيار فصدوره بالاختيار منوط بقصده ولا يكفي في اختياريته اختيارية الضرب وهذا بخلاف التوصل فإنه بالحمل الشائع لا ينفك عن الاتيان بالمقدمة واقعا فإذا توضأ المكلف أو اغتسل كان هذا توصلا اختياريا وإن لم يقصد به التوصل فعنوان التوصل كعنوان المقدمة ليس من العناوين القصدية فالواجب هو واقع التوصل بالحمل الشائع بدون لزوم قصده هذا.
ولنأخذ بالمناقشة فيما ذكره (قدس سره) في أصل التعليقة ثم ننظر إلى ما أفاده من الإشكال في هامشها وقبل بيان ذلك نشير إلى مقدمة وهي أن العقل سواء كان نظريا أم كان عمليا بشأنه إدراك الأشياء غاية الأمر إن كان نظريا فمدركاته لا تقتضي في نفسها بأنه ينبغي أو لا ينبغي أن يتعداه الإنسان كاستحالة الدور أو التسلسل أو اجتماع النقيضين أو الضدين أو الملازمة بين شيئين أو علية شئ لآخر وهكذا وإن كان عمليا فمدركاته في نفسها تقتضي بأنه ينبغي أو لا ينبغي فالكذب مثلا إذا لوحظ في نفسه يحكم العقل بأنه يقتضي أن لا يرتكب والصدق في نفسه يقتضي أن يكون هو الصادر من الإنسان.
ثم إن القضايا النظرية التي يدركها العقل البشري ترجع في نهاية المطاف إلى قضايا أولية كمبدأ عدم التناقض ومبدأ العلية وإن الكل أعظم من الجزء ونحوها فإن النفس مضطرة إلى الإيمان بها بدون أن تطالب بدليل وبرهان على صحتها لأن طبيعة تلك القضايا الأولية تقتضي الإيمان بها غنيا عن إقامة برهان على أساس أن القضايا النظرية جميعا ترجع في نهاية المطاف إلى القضايا