وقد ينتزعان من مقام استكمال العبد بالطاعات والقربات، أو نفس الطاعات والقربات، والتحقق بمقابلاتها من العصيان والتجري، فيقال للعبد المطيع المنقاد: إنه مقرب [من] حضرته قريب من مولاه، وللعاصي المتجري: إنه رجيم بعيد عن ساحة قدسه. وهذا مراده من القرب والبعد ظاهرا.
فحاصل مرامه: أن سبب اختلاف الناس في استحقاق الجنة والنار ونيل الشفاعة وعدمه، هو القرب منه تعالى بالانقياد والطاعة، والبعد عنه بالتجري والمعصية.
وفيه: أن القرب والبعد أمران اعتباريان منتزعان من طاعة العبد وعصيانه، مع أن استحقاق العقوبة والمثوبة من تبعات نفس الطاعة والانقياد والتجري والعصيان، والعقل إنما يحكم باستحقاق العبد المطيع والعاصي للثواب والعقاب بلا توجه إلى القرب والبعد.
وبعبارة أخرى: الطاعة والمعصية وكذا الانقياد والتجري تمام الموضوع لحكم العقل في باب الثواب والعقاب، بلا دخالة للقرب والبعد في هذا الحكم أصلا.
وبعبارة ثالثة: إن عناوين القرب والبعد واستحقاق العقوبة والمثوبة منتزعات في رتبة واحدة عن الطاعة والعصيان وشقيقيهما، ولا يمكن أن يكون بعضها موضوعا لبعض.
ثم اعلم: أنه - قدس سره - قد اضطرب كلامه في هذا المقام، حيث حكم