في أول المبحث بأن المتجري مستحق للعقوبة على تجريه وهتك حرمة مولاه (1) وبعد " إن قلت.. قلت " ظهر منه أن التجري سبب للبعد وهو موجب للعقوبة، حيث قال: إن حسن المؤاخذة والعقوبة إنما يكون من تبعة بعده عن سيده بتجريه عليه (2) وظهر منه بلا فصل أن التجري موجب للبعد وحسن العقوبة كليهما في عرض واحد، حيث قال: فكما أنه يوجب البعد عنه، كذلك لا غرو في أن يوجب حسن العقوبة (3) وبعد أسطر صرح: بأن تفاوت أفراد الإنسان في القرب والبعد سبب لاختلافها في الاستحقاق (4) وفي آخر المبحث ظهر منه أن منشأ استحقاق العقوبة هو الهتك [لحرمة] المولى (5).
ومما ذكرنا من مناط الاختيارية ومناط حسن العقوبة ظهر ما في كلامه أيضا من أن التجري وان لم يكن باختياره إلا أنه يوجب العقوبة بسوء سريرته وخبث باطنه، فإنه قد ظهر أن الفعل الذي هو مناط حسن العقوبة عند العقلاء والعقل هو الفعل الاختياري، أي الفعل الذي هو أثر الاختيار ومنشؤه الاختيار، لا الفعل الذي يكون اختياره بالاختيار.
وأما سوء السريرة وخبث الباطن ونقصان الوجود والاستعداد، فليست مما توجب العقوبة عقلا كما عرفت.
نعم لا يبعد أن تكون بعض المراتب من الظلمة والوحشة من تبعات