جزافا؟ تعالى عن ذلك علوا كبيرا، [إضافة إلى] ورود إشكال الجبر أيضا.
قلت: هاهنا كلام طويل في وقوع أصل الكثرة في الوجود، وله مقدمات كثيرة ربما لا ينبغي الغور فيها إلا في المقام المعد لها، ولكن الذي يناسب مقامنا في وقوع الاختلاف في الأفراد الإنسانية أن يقال:
إن المواد التي يتغذى بها بنو ادم، وبها يعيشون، وتستمر حياتهم في هذا العالم العنصري الطبيعي مختلفة بحسب النوع لطافة وكثافة وصفاء وكدورة، فربما يكون التفاح والرمان والرطب ألطف وأصفى وأقرب إلى الاعتدال والكمال الوجودي من الجزر والباقلاء وأشباههما، وهذا الاختلاف الكثير بين أنواع المواد الغذائية ربما يكون ضروريا. ولا إشكال في أن النطفة الإنسانية التي يتكون منها الولد، وتكون لها المبدئية المادية له، من تلك المواد الغذائية، فإن النطفة من فضول بعض الهضوم، فالقوة المولدة المودعة في الإنسان تفرز من عصارة الغذاء هذه المادة المنوية لحفظ بقاء النوع، فربما تفرز المادة من مادة غذائية لطيفة نورانية صافية أكلها الوالد، وربما يكون الإفراز من المادة الكثيفة الظلمانية الكدرة، وقد يكون من متوسطة بينهما، وقد يمتزج بعضها بالبعض.
ومعلوم أن هنا اختلافات وامتزاجات كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى، ولعل المراد من النطفة الأمشاج في قوله تعالى: * (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج) * (1) هو هذه الامتزاجات والاختلاطات التي تكون في نوع الأفراد،