المشتبهات، ولعمري إن هذا بمكان من الغرابة منه قدس سره.
مع أن دعوى هذا الإجماع - أيضا - بمكان من الغرابة، فإن لازمه جواز ترك جميع المشتبهات إلا واحدا منها، فلابد من الالتزام بأن إتيان واحد من المشتبهات يوجب عدم الخروج عن الدين وعدم مخالفة الإجماع، فلو أتى المكلف من بين جميع المشتبهات بالخرطات الاستبرائية، يكون داخلا في الدين وغير مخالف لإجماع المسلمين، وهذا - كما ترى - لا يلتزم به أحد، مع أنه لازم تلك الدعوى.
وإن أريد الإجماع على النحو الثالث، فيرد عليه:
أولا: أنه لا يمكن استكشاف الاحتياط التام من هذا الإجماع على قضية مهملة، فإن المهملة في حكم الجزئية، فلا ينتج إلا قضية مهملة في حكم الجزئية.
وثانيا: أن هذا هو الإجماع على التبعيض في الاحتياط، فإن الإجماع على عدم جواز إهمال المشتبهات في الجملة عبارة أخرى عن التبعيض في الاحتياط.
نعم لو كان هذا الإجماع لأجل التحفظ على الواقع لحكم العقل بإتيان المظنونات، لأجل أقربيتها إلى التكاليف الواقعية.
اللهم إلا أن يقال: إن لهذا الإجماع إهمالا حتى من جهة التبعيض في الاحتياط، فلا يستفاد منه شئ إلا عدم جواز الإهمال رأسا، فلابد من التماس دليل آخر على تعيين كيفية التعرض للمشتبهات، وهو الإجماع الآتي.