فمفهوم قوله - تعالى -: * (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) * (1) هو إن لم يجئكم به فلا يجب التبين، سواء جاء به العادل أولا. وإن ضم إلى ذلك أن ظهور القضايا السالبة إنما هو في سلب المحمول، لاسلب الموضوع، يصير المفهوم: إن جاءكم عادل بنبأ فلا يجب التبين.
وبالجملة: مفهومها يدل على عدم وجوب التبين في خبر العادل: إما بإطلاقه، وإما بالتعرض لخصوص خبره. هذا.
وفيه: أن الأمر في المثال والممثل متعاكسان بحسب نظر العرف، فإن المثال الذي مثلت - من صدق الأبيض على البياض والجسم المتلبس به - يكون صدقه على الفرد الذاتي العقلي أخفى عند العرف من صدقه على الفرد العرضي، بل يمكن أن يقال: إنه لا يصدق إلا على الثاني دون الأول عرفا، وإن كان الأمر عند العقل الدقيق على عكس ذلك.
وأما فيما نحن فيه والممثل، لا يكون مجئ العادل بالخبر من مصاديق لا مجئ الفاسق به عرفا، وإن فرض أن أحد الضدين مما ينطبق عليه عدم الضد الآخر، ويكون مصدوقا عليه بحسب اصطلاح بعض أكابر فن المعقول (2) لكنه أمر عقلي خارج عن المتفاهم العرفي، وأخذ المفاهيم إنما هو بمساعدة نظر العرف، ولا إشكال في أنه لا يفهم [من] الآية الشريفة مجئ العادل به.
وأما قضية ظهور القضايا السالبة في سلب المحمول، إنما هو في القضايا