السبب الذي أوجب له العجب فهل ضرب المرأة الجميلة المختضبة صدرها ضربا يسود موضع الضرب منه، وهو أمر مبذول لعله أو غيره نظر إلى أمثاله كثيرة، أو هو حقيقة كتابة أقلام الياقوت خمسة أسطر بالعنبر على البلور، وأين موضع هذه البلاغة التي تأخذ بمجامع القلب، وهذه الملاحة التي تسحر اللب، فهل هو في مجرد وضع الأقلام موضع الأصابع، ولفظي العنبر والبلور موضعي السواد وبياض الصدر، أم في وضع معاني هذه الألفاظ في موضع معاني تلك؟ ثم إذا قرع سمعك قول الوأواء (1) الدمشقي في محبوبته لما جرت دموعها على خديها، وعضت أناملها حذر الفراق:
فاستمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت * وردا وعضت على العناب بالبرد أي صورة تصورها هذه الألفاظ في مرآة ذهنك فتسكرك بلا راح، وتطربك بلا سماع، هل إمطار اللؤلؤ من النرجس، وسقي الورد، وعض العناب بالبرد، أم تلك الحالة المحزنة المشجية، أعني امرأة تبكي، وتعض أناملها؟ فإن كان الثاني وكان هذا حكم إنصافك، فقد أخطأت أنا ولم يحسن الوأواء، وإن كان الأول فقد أحسن نظما وأحسنت فهما، وأنت - أعزك الله - إذا أعطيت التأمل حقه فيما نبهناك عليه في هذا المثال، وجعلته أنموذجا لنظائره من صنوف الاستعمال علمت علما لا يشوبه شك، ولا يحوم حول حماه ريب، أن المجاز ليس وضع اللفظ محل اللفظ، بل هو وضع المعنى محل المعنى، وهذا هو الذي يورثه الملاحة، ويوجب لها المبالغة وإخوانها من نكات الصناعة، وإلا فالألفاظ متكافئة غالبا، ولفظ الخد ليس بغريب ولا بثقيل على اللسان وهو