(الاستعمال) الاستعمال ثمرة الوضع وفائدته وهو وفاء الواضع بالوعد وعمله بالتعهد الذي سبق منه، بل لولاه لم يكن معنى للوضع، ولم يتحقق له وجود في الخارج بغيره، لأنه - كما عرفت - تعهد الاستعمالات المتأخرة عنه فلا موضوع للتعهد لو لا الاستعمال، وحقيقته إفهام المعنى للمخاطب بإسماعه اللفظ، وجعل اللفظ آلة لإحضار ما يريد من المعاني في ذهنه، ومرآة تريه الأشياء بما هي عليها من النسب والخصوصيات على ما يريد المتكلم إراءتها له سواء كان مطابقا للواقع أم لا، وسواء كان على طريق الجد منه أو الهزل بأي غرض سنح، وداع اتفق.
وبالجملة قوام الاستعمال بأمرين: إلقاء اللفظ على مسمع المخاطب، وقصد إلقاء المعنى في ذهنه به، فلا يشترط فيه غيرهما، فمتى اجتمعا تحقق الاستعمال، وينتفي بانتفاء أحدهما.
(القسم الثاني) وأنت إذا أتقنت هذا الأمر الواضح - بعد البيان الذي يغنيه صريح الوجدان عن تجشم البرهان - عرفت الحق في عدة مسائل تضاربت فيها الأفكار، واختلفت فيها الأنظار.
منها: أنه لا فرق بين القضية الصادقة والكاذبة في كون ألفاظهما مستعملة في معانيها لما عرفت من أنه لا معنى للاستعمال إلا إرادة المتكلم إلقاء المعنى على السامع من غير أن يكون لمطابقة الواقع وعدمها دخل فيه، خلافا لبعض مشايخنا (1) حيث كان رحمه الله يخصص الاستعمال بالأولى ويزعم أن الكاذب