وقد احتمل العلامة - الجد - البناء حينئذ على الوجه الأول، نظرا إلى أنه قضية ظاهر اللفظ، ولأصالة عدم تعلق الحكم بما عدا ذلك (1)، وفي كلا الوجهين نظر.
(القول في الأوامر والنواهي) وفيه مطالب:
الأول:
اللفظ الدال على الطلب إما أن يكون دالا عليه بمادته، أي تكون المادة موضوعة له نحو: آمر وأريد وأطلب، أو بهيئته كإفعل، أو بوضعه الابتدائي ك (صه) ونحوه من أسماء الأفعال.
ومن خصائص القسم الأول أنه لا بد أن تكون دلالته على الطلب بلفظ الإخبار، وأن يذكر بعده المطلوب نحو آمر بكذا، وأريد كذا، ولا تتعلق به الهيئة إلا إذا كان الطلب هو المطلوب نحو مر زيدا بكذا، وهذا موضوع البحث الآتي من أن الأمر بالأمر هل هو أمر به أم لا؟ والظاهر أن العلو مأخوذ في خصوص لفظ الأمر لغة، فلا يقال: إن الفقير أمر بإعطاء الكسرة من الخبز، بل يقال: سألها.
نعم لا يعتبر فيه العلو الحقيقي، بل يكفي الادعائي منه، فمن اعتبر الاستعلاء في الأمر مقتصرا عليه - كما هو المنسوب إلى أكثر العلماء الأصوليين من العامة والخاصة - إن أراد به ما ذكرنا من كفاية العلو ادعاء فهو حق، وإلا فلا وجه له، بل يرده ما ذكره - الجد - العلامة في الهداية من إطلاق الأمر حقيقة على الأوامر الصادرة من الأمير إلى الرعية، والسيد إلى العبد وإن كان المتكلم غافلا عن علوه حين الخطاب (2).